ابنة الكاتب لم تعرف أباها

25 يناير 2017
+ الخط -

ذات يوم، في أواخر الثمانينيات، كنت واقفاً عند البقال المواجه لبيتنا في حارة المساكن الشعبية الجنوبية بإدلب، وإذا بجاري البقال يقول لي:

- ثمة رجل وراءك يناديك! 

التفتُّ فوجدتُ صديقي الشاعر الرقي الظريف عبد اللطيف خطاب (رحمه الله)، وقد حضر لزيارتي، من دون موعد طبعاً، فالاتصالات الهاتفية في تلك الأيام كانت عسيرة جداً.

سلمتُ عليه، ودعوته لكي نصعد إلى البيت، فقال لي:

- قبل أن نصعد، انتظر لحظة، وأجبني عن هذا السؤال. ألم تقل لي حينما التقينا العام الفائت في حلب إنك كاتب مشهور جداً، وخصوصاً هنا في إدلب؟!

الحقيقة هي أنني لم أقل له شيئاً من هذا القبيل، ولكنني توقعتُ أنه يؤسس لمزحة، أو طرفة، بطريقته البارعة، فقلت له: بلى، قلت!

قال: اليوم ثبت لي بالدليل القاطع أنك غير مشهور على الإطلاق. فمنذ أكثر من ساعتين وأنا ألف وأدور في شوارع إدلب وأزقتها، وأسأل عنك. والله سألتُ أكثر من مئة شخص عنك، دون جدوى، حتى إن أحد الذين سألتهم عنك قال لي (خطيب بدلة)؟ ما هذا الاسم الغريب؟ هل يعقل أن يوجد شخص يحمل مثل هذا الاسم؟

وقال لي آخر، إن آل بدلة يسكنون في معرتمصرين، فاذهب إلى هناك واسأل عنه. ولأنني متأكد أنك تقيم في إدلب بقيت مصراً على البحث عنك، دواليك حتى عثرت على شخص سألته عنك، فحك رأسه وقال لي:


- أخي، أنا أعرف رجلاً طيباً اسمه (عوني بدلة)، كان يقيم في المساكن الجنوبية، تعال أوصلك إلى بيته، لعل واحداً من أبنائه يدلك على صاحبك.

والآن، حينما وصلت إلى هنا رأيتك بالمصادفة، فشكرتُ الرجل على اهتمامه بي، وأبلغته بأنني وصلت إلى مبتغاي، فانصرف.


حينما وصل عبد اللطيف في حديثه إلى هذه النقطة مرّت بنا ابنتي "فرح"، وكان عمرها يومئذ حوالى سبع سنوات، نظرت إلي، ولم تقل شيئاً، وتابعت طريقها نحو البيت. رآها عبد اللطيف فقال لي:


- هذه البنت تشبهك جداً.

قلت: طبعاً.. إنها ابنتي.

قال: هي الأخرى لا تعرفك! قبل قليل التقيتها وسألتها عنك فقالت لي: لا أعرف أحداً بهذا الاسم!!

وانفلت بالضحك.

ــــــــــــــــــــــ

من كتاب المستطرف الأزرق 2010

دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...