ابنك في فرع فلسطين يا أختي

27 مارس 2019
+ الخط -
- ابنك مو موجود عندنا يا أختي. روحي اسألي عنو في الفروع التانية.
هذه العبارة وردتْ في حديث افتتح به الأستاذ كمال سهرة الإمتاع والمؤانسة في منزل أبو إسماعيل في مدينة الريحانية التركية. حكى لنا عن كيفية افتقاد السوريين لأبنائهم، قبل الثورة فقال:

- من أسوأ مظاهر الاعتقال السياسي في سورية اللي عم تحكما طغمةْ الأسدْ الفاشستية أنو يصير تنفيذ عملية الاعتقال في سوق، أو في شارع، يعني بيكون الشاب عم يشتري غراض لبيتو، وبتوقف جنبو سيارة ما إِلها نُمَرْ، وبيقرب منو تنين، بيمسكوه من الطرفين، وواحد تالت بيقرب عليه فوهة المسدس وبيقلو: اطلاع معنا بلا شوشرة. والرجال بيطلع معُنْ وهوي مرعوب، وما بيسترجي يتلفظ بحرف.

قال العم أبو محمد: والله غريب هالحكي. كمان عندنا كانوا يعتقلوا الناس من السوق؟
قال كمال: طبعاً. ولما بتروح أمو للمعتقل أو مرتو لتسأل عنو، كل الفروع بينكروا وجودُو عندهم، وبيقولولا: هالإسم مانو موجود عندنا. روحي اسألي عنو في الفروع التانية. وطبعاً هيي بتروح عالفروع التانية وبيعطوها نفس الجواب، وإذا أجت مرة تانية ممكن يطردوها ويحكوا معها كلمات نابية. وهيك بتتحول صفة هاد الشخص من معتقل إلى (مفقود).


قال أبو زاهر: عفواً أنا عندي إضافة وتوضيح. نحن لما طلعنا من سجن تدمر في أواسط التسعينيات، بقي في ناس ما طلعوا. وما حدا بلغ أهاليُّنْ بمصيرُنْ. هدول كمان مفقودين. ويكون في علمك أنو هدول المفقودين عَدَدُهم في سورية يقدر بعشرات الألوف.

قال أبو جهاد ببراءة: غريب هالحكي. طيب ليش ما طالعوهم؟
قال أبو زاهر: لأنو، بسلامة عمرك، ميتين. أعدموهم من زمان.
قال أبو إسماعيل: إذا ممكن توقفوا الحديث عن السجون والمعتقلات لأنو العشا صار جاهز، ما بدنا تصد نفسكم عن الطعام.
قال أبو الجود: مين هادا اللي بدَّا تصد نفسو عن الطعام؟ من دون يمين أنا بدي آكل لحتى ما يبقى أكل على الطاولة. بتعرفوا ليش؟
قال أبو جهاد: منعرف ليش. لأنك فجعان..
قال أبو الجود: نعم، أنا فجعان فعلاً، هادا سبب، والسبب التاني إنو إذا اليوم ما أكلت منيح، وجعت بكرة بالنهار، راح أضطر آكل من نفس الأكل اللي بتاكل منو مرتي هيي والولاد. مصيبة.

قلت: أبو الجود صاير متل الأحمق هَبَنَّقة راعي إبل قريش اللي كان يرعى الإبل الضعيفة في المراعي السيئة، والإبل السمينة ياخدا على المراعي الممتازة، ولما سألوه ليش.. قال: أنا ما بحب أغَيّرْ خلقة الله.

ضحك الحاضرون، وقال أبو جهاد: أبو الجود أبشع من هاد هبنقة، لأنو هوي بياكل وبيشرب معنا، ومْجَوِّعْ عيالو.

قلت: صحتين على قلب أبو الجود. خيو، قبل ما يوصل الطعام، بدي إحكي لكم شغلة زغيرة. يا شباب، منطق الإنكار اللي بيمارسوه المخابرات لا يمكن اعتبارو تصرف فردي أو تصرف أمني، وإنما هو سياسة بينتهجها نظام الأسد من أعلى المستويات لأدناها. قبل سنوات، أنا محسوبكم، أصدرت كتاب بعنوان "حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد" شارك في تحريرو عدد من الأصدقاء المناضلين الشجعان اللي تصدوا لنظام حافظ الأسد رغم لؤمو وحقارتو. الصديق غسان، مثلاً، بيحكي في الكتاب عن تجربتو في سجن تدمر.

ومن ضمن ما حكى أنو ذات مرة استنفروا السجانين، وجمعوا السجناء في الساحات، وقاموا بإجراءات أمنية احتياطية كبيرة. وتبين أنهم كانوا حابين يخلوا المساجين يشوفوا لقاء تلفزيوني مع حافظ الأسد بدها تساويه صحافية أميركية. وصار اللقاء بالفعل، وخلال اللقاء سألته الصحافية عن وجود سجناء رأي في سورية.. ومع أنو سجن تدمر وحدو كان فيه عشرة آلاف سجين، كان جواب حافظ الأسد هوي التالي، حرفياً: لا يوجد لدينا معتقلون سياسيون في سورية. هذه الدعايات جزء من الحملة الإمبريالية الصهيونية المعادية لنا.

وللحديث صلة
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...