ارمِ أدويتك في حاوية الزبالة

14 نوفمبر 2018
+ الخط -
خلال الزيارة اللطيفة التي قام بها الثنائي الكوميدي المُؤَلَّف من العم "قاسم" وزوجته السيدة "فريدة" لمدينة إدلب زارا طبيباً متخصصاً بالمسالك البولية، وأطلعه قاسم على الأدوية التي وصفها له طبيب البلدة لمعالجة التهاب البروستات، فقطب الطبيب حاجبيه وقال:

- لا يجوز لأي طبيب أن يطعن بزملائه الآخرين ويُظهرهم أمام الزبائن على أنهم أغبياء، أو "طشوم"، أو أن يقول إنهم حصلوا على شهادة الطب بالواسطة أو بالمساعدة،
ولكن طبيب بلدتكم غبي، و"طَشَنة"، وأنا أرى أن من واجبي أن أخالف قواعد اللياقة المهنية وأحكي عن غبائه في كل مكان. يا عمي قاسم، أنا أريد منك الآن أن تأخذ هذه الأدوية التي بحوزتك وترميها في أقرب حاوية للزبالة، وفي الوقت نفسه سأعطيك دواءً سيشفي مرضك البسيط الذي تعاني منه بإذن الله.

تدخلت فريدة وقالت للدكتور: يعني، يا دكتور، جوزي قاسم ما راح يموت قريباً؟
دهش الدكتور، إذ ظن أنها تتكلم جادة وقال لها:
- يموت؟! غريب هذا الكلام. الأخ قاسم صحته جيدة جداً، ولا يوجد عنده شيء خطير.
رفعت يديها إلى السماء وقالت: ألف الحمد لله.


بعد عودة الثنائي الكوميدي المظفرة إلى البيت قال قاسم لزوجته فريدة:
- أنا لستُ طبيباً لأحدثكِ عن اللياقة المهنية، ولكن اللياقة الأُسَرية تقتضي أن أذهب أنا إلى حاوية الزبالة وألقي فيها الدواء كما نصحنا الطبيب المختص، الله تعالى يكثر من أمثاله، ويحميه من العين، ومن شر حاسد إذا حسد.
قالت فريدة: قبل أن تتورط وتحمل الأدوية وترميها في حاوية الزبالة، أرى من واجبي أن أحذرك من نتائج مثل هذه الفعلة الخطيرة.
قال قاسم: يا لطيف الطفْ. خطيرة؟
قالت: خطيرة جداً. يا سيدي، بحسب ما حكت لي جارة خالتي، السيدة "مسعودة"، أن زوجها أصيب بجلطة قلبية، قبل ثلاث سنوات، فحملوه إلى دمشق بحالة إسعافية، وأجروا له عملية جراحية ناجحة، عاد بعدها إلى البلدة وهو مثل الحصان، يمارس حياته بشكل طبيعي، ودون منغصات، وكان الطبيب الذي أجرى له العملية قد زوده بأدوية وطلب منه أن يتناولها بانتظام مدى الحياة.

توقفت ثم قالت: حتى الآن القصة طبيعية، ولكنه، في يوم من الأيام، التقى برجل من معارفه القدامى، وبعد السلام والسؤال عن الأحوال لعب الصديق بعقل صديقه على طريقة (جَدي لعب بعقل تيس)، وأقنعه أن يراجع رجلا (دجالا) غير متعلم يَدَّعي أنه يعالج الناس بالأعشاب ويشفيهم بإذن الله تعالى، فحمل كيس الدواء الذي يحتوي على أدويته الدائمة وذهب لمراجعة "طبيب الأعشاب". وبمجرد ما رآه ذلك الشخص الدجال صاح به، قبل أن يصل إليه:

- انظر. هل ترى حاوية الزبالة الموجودة في طرف الغرفة؟
قال: نعم. أراها.
قال: ألق هذه السموم التي تحملها في الحاوية وتعال إلي.
نفذ المريض ما أمره به الدجال، وتقدم نحو الطبيب العشبي الذي لم يفحصه ولم يعاينه، سأله فقط: أين مرضك؟ قال: في القلب. قال: يكفي. لا تكمل. وأعطاه نوعاً من الأعشاب، وقال له: هذه ستشفيك بإذن الله.
قال قاسم: أليس زوج مسعودة هو أبو قدور رحمه الله؟
قالت: بلى. ووالله، ما لك علي يمين لتحلفني، الرجل ما ثَنَّاها. أول عشبة والثانية كان متوكل على الله (يعني: ميت).
قال قاسم: لحظة. لا تكملي حديثك. أنت تلمحين إلى أنني سأموت قريباً؟
قالت: لا، ولكنني أحدثك عن عواقب الأشخاص الذين يرمون علب الدواء في حاويات الزبالة. وعلى كل حال أنت حر!
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...