الأخ الأكبر يُجوِّعنا
مجانين يتحكمون في هذا العالم من سيرحل قبل الآخر؟ نحن أم هم؟ كتب رودريك بريثويت الرئيس السابق للجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية في "فايننشال تايمز" يقول: "تجار السمك لا يجيدون سوى بيع السمك، في حين تجار الحروب لا يتقنون سوى تسويقها، والنتيجة كل منهما مؤمن بتجارته".
ما الذي فعلته الأمم المتحدة لإيقاف المحرقة السورية، منذ نشوبها قبل أكثر من إحدى عشرة سنة وحتى اليوم؟ سوى أنها كانت مشاركة في معاناة السوريين وشاهد زور، على ما يحصل لهم من قتل وتشريد وتهجير وتجويع.
ثم ما الذي أنجزه مبعوثوها إلى سورية، سوى المراوغة واللف والدوران، ست جولات من المباحثات بين السلطة والمعارضة في جنيف، بهدف التوصل لحل سياسي للصراع القائم، ما لبثت أن أعادتهم إلى سوتشي من جديد.
بروايته "عالم جديد شجاع" التي كتبها عام 1931 يتخيل الروائي الإنكليزي ألدوس هكسلي يومها ما الذي سيحدث لمستقبل البشرية؟ فيقول: "تخيل أن القيم الإنسانية ستختفي، لا بل ستصبح من الرذائل الممقوتة، النظم الحكومية ستُحدد طرق تفكير البشر، حتى تتلاشى الإرادات الفردية، والأفكار الخاصة بشخصية الإنسان، وما يحسُّ به من عواطف إنسانية مثل الفرح والحزن، ستُمحى من ذاكرة الفرد، بذلك ستتغير المشاعر الإنسانية، وستختفي معها الحريات الشخصية..".
أيضاً سيكون العلم والشمولية قد سيطرا تماماً على المجتمع الحديث، وفقاً لهكسلي، هذا المجتمع سيضم الدول المصنعة فقط، أما المجتمعات التي لم تستطع تنظيم نفسها لتنخرط في مجتمع ما بعد الحداثة، فستُترك للتفسخ الذاتي، حيث يُترك الفرد ليتصرّف حسب غرائزه، لكن تحت رقابة وسيف الحاكم، الذي لا شرعية ولا قانون يضبطانه.
والسؤال هنا من باستطاعته لوم السوريين على عدم تنظيم أنفسهم، وعدم انخراطهم في مجتمع ما بعد الحداثة؟ بعدما قادها رُبّانها إلى هذا التفسخ وهذا المصير المجهول؟ ثم من يحميهم من حرب الجوع التي يتعرضون لها اليوم، على أيدي من يتحكمون بمجلس الأمن الدولي؟ هل ينتظرون حتى ترتوي شركات تصنيع الأسلحة وتُجّارها وسماسرتها ومجانينها من دمائهم؟
أم أصبح كل من السوريين والفلسطينيين وغيرهم من شعوب مغلوبة، مجرد فائض بشري، يجب التخلص منه؟
نعم لقد تراجعت قيم الحضارة الإنسانية سيد هكسلي، لكن الرحمة الإنسانية، مثلها مثل القيم والأخلاق، لا يمكن لها أن تموت، كل من بقلبه ذرة رحمة واطلعّ على حجم هذا النفاق والتواطؤ الدولي الذي يُمارس بحق السوريين، لم يستطع إكمال مهمته، لذلك تقدم باستقالته مكسوراً.
بدءاً من الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان، إلى الجزائري الأخضر الإبراهيمي، الذي استقال بعد أن أعلن عن عدم جدية المجتمع الدولي بحل النزاع، إلى كارلاديل بونتي المدعية العامة السابقة في لجنة التحقيق الأممية، المتعلقة بجرائم الحرب في سورية، والتي كشفت صراحةً عن حجم إحباطها، قبل أن تتقدم باستقالتها، بقولها: "لم يعد بإمكاني أن أبقى في هذه اللجنة التي لم تفعل شيئاً طيلة خمس سنوات، إن أعضاء مجلس الأمن لا توجد لديهم الرغبة في تحقيق العدالة".
نعم لقد تراجعت قيم الحضارة الإنسانية سيد هكسلي، لكن الرحمة الإنسانية، مثلها مثل القيم والأخلاق، لا يمكن لها أن تموت، كل من بقلبه ذرة رحمة واطلعّ على حجم هذا النفاق والتواطؤ الدولي الذي يُمارس بحق السوريين، لم يستطع إكمال مهمته، لذلك تقدم باستقالته مكسوراً
بناءً عليه كلهم اعتذروا عن متابعة هذه المهمة القذرة، سوى القَتَلة وحدهم من بقيوا، من دي ميستورا إلى غير بدرسون، إلى غوتيريس، إلى قادة الدول دائمة العضوية الخمس، الذين يساهمون بإطالة عمر هذه المحرقة.
والسؤال من أين للسوريين والفلسطينيين برجل من وزن داغ هامرشولد؟ الأمين العام السابق للأمم المتحدة (1953 – 1961) الذي كان أهم وأشجع أمين عام بتاريخ هذه المنظمة، لقد كان نصير الشعوب المقهورة، لذلك لم يتردد بالصراخ بوجه الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف، قائلاً: "اسمعني جيدًا يا سعادة الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، أنت من جهتك تمثل دولة كبرى بهذا العالم، وأنا رسالتي أن أمثل الدول الصغيرة".
مواقف إنسانية نبيلة لم يتجرأ أحد على السير على خطاها، سوى الراحل بطرس غالي، الذي أغضب الأميركيين، بمواقفه الإنسانية، منها إصراره على كتابة تقرير يكشف ارتكاب إسرائيل مذبحة قانا في جنوب لبنان، عام 1996 والتي أودت بحياة عدد من الفلسطينيين، حينما لجأوا لمقر الأمم المتحدة، هربا من عناقيد غضبها، فضلاً عن إصراره على المطالبة بضرورة إصلاح الأمم المتحدة.
حصل ذلك رغم التهديدات الأميركية المتواصلة لغالي، لذلك كان من الطبيعي أن تقوم أميركا باستخدام حق الفيتو اعتراضاً على إعادة انتخابه كأمين عام لفترة ثانية، رغم دعمه من قبل (14) دولة من أعضاء مجلس الأمن، بذلك كان غالي أول سكرتير عام لا يفوز بفترة رئاسية ثانية بتاريخ هذه المنظمة.
ثم من أين للسوريين برسولة إنسانية مثل أنجيلا ميركل، التي شرّعّت أبواب بلادها للاجئين السوريين، رغم معارضة اليمين المتطرف؟ بل من أين لهم برسلٍ من أوزان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أو نظيره الفلندي يوها سيبيلا أو رئيس الأورغواي خوسيه موخيكا الذين قاموا بإسكان عدد من السوريين في منازلهم الخاصة.
من أين لهم برسولة بحجم الممثلة العالمية أنجلينا جولي، سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة؟ أو بقديسين أمثال الأميركية راشيل كوري، عضو حركة التضامن العالمية، والتي قضت نحبها تحت جنازير الجرافات الإسرائيلية، وهي تقف بطريقها لمنعها من هدم منازل فلسطينية، أثناء الانتفاضة الثانية عام 2003.
ختاماً بدراسة حديثة نشرتها صحيفة "ذا إندبندت" البريطانية خلصت إلى أن الكون سينهار أسرع مما هو متوقع، وأن نهايته باتت وشيكة، وهو ما يؤكد عليه العالم الفيزيائي الإنكليزي ستيفن هوكينغ بتصريحه لصحيفة "ذا غارديان" بأن "الجنس البشري يمكن أن يُمحى في غضون 100 عام من الآن، وأن هذ القرن سيكون الأخطر في التاريخ البشري، على اعتبار أن التقدم العلمي والتكنولوجي قادر على إنشاء عدد من السيناريوهات المتعلقة بنهاية الكون".
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل نحن السوريين والفلسطينيين أول من سيكونون على طريق هذا الفناء؟