الأمر الذي تتمناه كلّ الفتيات في غزّة
لا شكّ أنّ كلّ شابّةٍ في غزّة عانت مع دورتها الشهرية على الأقل عشر مرّات منذ بداية الحرب حتّى الآن، وعليه؛ يجب أن تتقدّم مؤسّسات الأمم المتحدة بصندوق هديّة تضامنيّة لمستلزماتِ الدورة الشهريّة والنظافة الشخصيّة لكلِّ فتاةٍ في القطاع، بما يخفّف عنهنّ، بطريقةٍ ما، التوتّر المرتبط بالحيض والحرب، ومكافأة لنضالهن الصامت أثناء الحرب، والذي يفوق تصوّر عقل كلّ مؤسّسةٍ حقوقيّةٍ ناشطة في مجال حقوق المرأة، على أن يشمل ذلك مسكّن لآلآمِ الدورةِ الشهريّة كعربون صبرٍ طويلٍ؛ حيث لا وقت لديهنّ ولا طاقة للتعامل مع الدورة الشهريّة، في ظلّ بقيّة الأهوال التي يعشنها!
وأيضًا، تجب دعوة المجتمع الدوليّ والإنساني لمحاولة الخروج بحلولٍ عبقرية لتخطّي الأزمة الإنسانيّة التي تمر بها الفتيات في القطاع، ما يساعدهن على الهرب من تقلصات الدورة الشهريّة، على غرار تقديمه الأكفان حلاً لمشكلة الموت الغزير. أو يجب تحقيق حلّ سحري يسمح للفتيات في القطاع من إعداد أرحامهنّ لموعد التبويض وفقاً لمبدأ المدِّ والجزر، والاعوجاج الزمني، وبالتالي اختلال موعدها وتخطّيه، والنتيجة عدم اضطرارهن للحيض أصلاً؛ الأمر الذي تتمناه كلّ الشابّات في غزّة اليوم. علّ وعسى أن تتوقف الغزّيات، ولو لمرّة واحدة عن نزفهنّ، سواء من الصواريخ أو من الدورة الشهرية، أو أن ينزفن بسلامٍ وصمتٍ.
إنّ أكثر ما يغيظني كفتاةٍ في القطاع، هو أن عليّ أن أكون دومًا من حزب "الغزّالة الشاطرة اللي بتغزل على رجل حمار". لم علينا دومًا لكوننا فتيات في مدينة غزّة أن نمارس الحياة خلافًا لأيِّ فتاةٍ عاديّةٍ بأبسط مثال؛ أن تتعامل مع دورتها الشهرية تحت بطانيّةٍ دافئة، مع كوب من الشوكولاتة الساخنة، ممارسةً على الكوكب دلع البنات، ومدّعيةً آلاماً لا يحتملها كائن بشري غيرها!
أذكر المرّة الأولى التي واتتني فيها دورتي الشهريّة في الخيمة، كيف لا وقد سقطت على الأرض مغشيًا عليّ من شدّة الحر والألم؛ لم أحتمل موجة الحرارة آنذاك، بالإضافة إلى شعور السكاكين التي تقطّعني من أخمص قدمي حتى ناصية رأسي... لتمتدَّ لي يد أختي الصغيرة، وهي تصرخ خوفًا، ثم سرعان ما بكيت؛ لشدّة إحساسي بالرغبة في التخلّص من فخذيّ.
مستلزمات الدورة الشهرية للنساء، ليست مواد ترفيهيّة، بل مطلب أساسي للعيش، تعادل في قيمتها الحاجة إلى المأكل والمشرب
تأتي الدورة الشهرية لدى معظم الفتيات في القطاع في المرتبةِ الأولى من الكوارث الإنسانيّة في ظلّ الحرب؛ لتُضاف لسلسلةِ معاناتهن في ظلِّ انعدام الخصوصيّة، من عدم توافر الفوط الصحيّة أو الأماكن التي يذهبن إليها لرعاية أنفسهن في ظرفِ النزوح والاكتظاظ داخل البيت الواحد أو الخيمة، وحتى لتغيير ملابسهن الداخلية، أو حتى من المواقف المُحرجة حيث تظهر البقع على ملابسهن.
ولا تزال الكثيرات منّا كفتيات يعشن الصدمة جرّاء فقداننا لأبسط حقوقنا، بدءاً من الحقِّ في الحصول على الخصوصيّة كفتاة، كأيّ فتاةٍ في الدنيا، إلى حرماننا الحقِّ في الوصول إلى المنتجات الخاصة بالدورة الشهريّة، من الفوط الصحيّة أو نقص الموارد، كالمياه النظيفة، والحمّامات التي تحترم خصوصيّتنا. وهذا كلّه يؤثّر بشكلٍ سلبيٍ على صحتنا النفسيّة والجسديّة. وأنا شخصيًا، أعرف فتيات كثيرات دفعت بهنّ ظروفهن للجوء إلى بدائل غير آمنة، كاستخدام قطع من قماشِ الخيمة أو القطع المُستخدمة البالية أو الفوطة الصحيّة نفسها لأكثر من ست ساعاتٍ بدون تغيير، ومنهن من يقضين دورتهن، يغسلن ملابسهن من دون أن يضعن شيئًا يحميهن من الدم أو الإفرازات!
هذه الظروف تستدعي الحديث بشكلٍ جدّي وقانوني عن الآليات التي يمكن من خلالها توفير مستلزمات الصحة الحيضيّة، مع فرض توافرها ومجانيّتها بسبب غلاء أسعارها في ظلِّ الأزمةِ الاقتصاديّة منذ بدء العدوان على القطاع، ممّا يتيح سهولة الوصول إليها، وهو ما يحمل إقراراً بأنّها ليست مواد ترفيهيّةً، بل مطلب أساسي للعيش، تعادل في قيمتها الحاجة إلى المأكل والمشرب، مع إزالةِ الوصمات الاجتماعيّة عن الدورة الشهريّة والمفاهيم المغلوطة حولها.
أكتبُ تجربتي هذه مع دورتي الشهريّة، لأسلّطَ الضوء حول جزءٍ من معاناةِ الفتيات والنساء في القطاع التي تسببّت بها حالة الحرب؛ إذ إنّ المساعدات التي تأتي للقطاع لا تأخذ بعين الاعتبار حاجات ومستلزمات الدورة الشهريّة، بالإضافة إلى الحاجة لتوثيق تجارب الفتيات في هذه المرحلة، ولكي يصبح الحديث في هذا الأمر عادياً، بينما يُعدّ من التابوهات في المجتمع، خصوصاً أنّ هذا الحدث الشهري ليس فردياً أو شخصيّاً أو خاصاً، بل هو تجربة جماعيّة تتشارك فيها غالبيّة الفتيات برغم اختلافاتنا.