الأنا والذنب
يمتثلُ الإنسان إلى ذنوبٍ كثيرة في حياته اليومية، كالخيانة العاطفية، أو ممارسة شيء يُعتبر سقوطًا حادًا في محيطه، أو فعل شيء مخزٍ أخلاقيًا أو اجتماعيًا. وأثناء اقتراف الذنب، تنتشرُ في دواخل المذنب أحاسيس كثيرة؛ كالسعادة، والنشوة، والحريّة. ولكن، فيما بعد، تقابلها أحاسيس أخرى، كالخوف، والخجل.
ينبعث الشعور بالخوف في صدر الإنسان المذنب عادةً، لخشيته من فقدان ما كان يملك قبل اقتراف الذنب. كفقدان الهيبة الأخلاقية والمثالية التي كانت تشكّل هالةً واسعة له في المحاضر والمجالس، أو فقدان الارتباط الوثيق بالدين، أو فقدان علاقةٍ عاطفية، أو منزلٍ سعيد، أو وظيفة معيّنة، أو نظام حياتيّ لا بأس به، وهكذا دواليك. هذا الفقدان، يولّد لدى المذنب خوفًا لا يستهانُ به، يصل إلى حدّ الانتحار أحيانًا؛ لعدم استطاعته العيش مع الشعور بالخوف، أو لعدم استطاعته العيش دون الأشياء التي كانت موجودة في مرحلة ما قبل الذنب.
ينبعث الشعور بالخوف في صدر الإنسان المذنب عادةً، لخشيته من فقدان ما كان يملك قبل اقتراف الذنب
أما الشعور بالخجل، فهو إنذار صارخٌ من دواخل المذنب، يشير إلى أنّه لا يستحقُّ المكانة التي كان يملكها قبل اقترافه الذنب، وأنّ الحياة المترفة والمكانة الرفيعة والأشخاص العظماء الذين كان يرافقهم، لا يستحقهم. قد لا يكون هناك خجل من اقتراف الذنب إذا كان ردّا على ذنوبٍ كثيرة اقترفت بحقه؛ فلا يبالي بعدها، فالذنب نتيجةٌ بشرية حتمية، مهّد لها الآخرون بذنوبهم.
أما الذنب الذي يترتب عليه الخجل فيما بعد، فلا تكون للآخرين علاقة به، إنما تمّ اقترافه لتحقيق أمورٍ داخليّة، أو شهوةٍ ما، أو لحظة انتصارٍ وهمي، أو للشعور بالقيمة والمعنى. بالتالي قد لا يكون نابعًا من تدخل خارجيّ، أو إقصاءٍ أو ظلمٍ أو ضيقٍ خارجي، إنّما داخليًا، كعدم الشعور بالإشباع، رغم ما يملكه من أدوات إشباع، فيذهب إلى طرقٍ غير أخلاقية لتحقيق ذلك، ولا يفلح في ذلك دائما، ويطمع في كلّ مرة. هذا بالضرورة يقود إلى الشعور بالخجل، حيث تلتهب نفس المذنب تأنيبًا للضمير، وتحقيرًا داخليًا ينبعث كالنار تسري في عروقه، وتقزيمًا لا يُشعرِهُ بأيّ قيمةٍ أو معنى لوجوده أو لحياته.
يمكن القول إنّ الخوف والخجل، اللذين يأتيان بعد اقتراف الذنب، هما أشدُّ وطأةً وقساوة من العقوبة المترتّبة على الذنب نفسه؛ فهما يستفزّان النواقص الداخلية لدى المذنب، ويثيران القلق باستمرار، ويجتمعان في كلِّ ثانية من يومه لِيُطيحا به قدر المستطاع. أما العقوبة، رغم خطورتها أحيانًا تكون واضحة، ومحدّدة؛ فهي تعتبر تكفيرًا عن الذنب، يبثّ شعورًا بالطمأنينة في نفس المذنب، وتمنحه حقلًا واسعًا من الرّاحة.