"الإنسانية"... ديانتي التي أفتخر بالانتماء إليها
حينما كتبت منذ سنوات أنّ ديانتي هي "الإنسانية"، وجدت الكثير من اللوم والتوبيخ على ذلك، وما زلت حتى اليوم أستغرب من أنّ الكثير ممن يرى متقلبات الحياة من حولنا، لا يزال حتى اللحظة لا يعترف بأنّ الإنسانية هي المبدأ الذي يشمل كلّ الديانات ويحفّ الإنسان بالطمأنينة والسكينة!
لماذا وجدت الديانات؟ ولماذا تعدّد الرسل؟ ولماذا تنوّعت الكتب السماوية والمعجزات التي رافقت كلّ الرسل والأنبياء؟ ألم تصبّ جميعها، بلا استثناء، في مفهوم الإنسانية والسلام والتسامح؟ ألم توجد جميعها من أجل الإنسان وسعادته وسكينته وتنظيم تعامله مع أخيه الإنسان؟ حتى عبادة الله بمختلف أنواعها وتعدّد طقوسها وُجدت في الأساس لتساعد الإنسان على الإحساس بالراحة والسكينة...
خلق الله عزّ وجلّ، كلّ شيء في هذه الحياة ثري التنوّع: تعدّد البشر باختلاف ألوانهم وطوائفهم وأشكالهم وأفكارهم، ثقافاتهم وحضاراته... وأرسل إلى كلّ أمة على مرّ العصور رسلاً من أجل تنظيم حياتهم وتطهيرهم من شرور أنفسهم. وأنا أجد في هذا دليلاً على أنّ الله عزّ وجلّ قد ضمن بهذا حق جميع البشر في الاختلاف في كلّ زمان ومكان، فتعدّد الديانات والكتب السماوية والرسل والأنبياء واللغات... إلخ، يجعل الأرض تعجّ بالحياة.
لكن الإنسان، بغبائه، انحرف عن دين الله والفطرة السوية، وقام يبحث عمّا خدع نفسه بتسميته "الأفضل والأحسن والأحوط"، واتجه نحو فرض اجتهاداته على غيره من الناس وشق عصاهم؛ بهذا تحّول الإنسان إلى عبد وسيد، وقائد ومقود، وصار للناس درجات إنسانية يناضلون في الحفاظ على أعلى مستوى فيها!!
إن من ينكر هذا لديه نظرة مشوّهة عن الدين الذي ينتمي إليه، ويعترف بأن دينه لا إنساني، إذ لا دين ولا قانون عالمياً أجمل وأشمل من الإنسانية التي تؤكد أنّ كلّ البشر إخوة، كيف لا ونحن نستنشق ذات الهواء وذات الجمال وذات الحياة...
لا دين ولا قانون عالمي أجمل وأشمل من الإنسانية التي تؤكد بأنّ كلّ البشر إخوة
الإنسانية تحتّم علينا تجريم القتل والإجرام والتعاطف مع كلّ الضعفاء، وهي القانون الأجمل والأشمل على وجه الأرض، الذي لا يحتاج أبداً إلى رسل ولا لقوانين ولا لفرض، لأنها تنبع من الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها.
حينما انحرف الإنسان عن فطرته الإنسانية، وبدأ بتشويه الديانات السماوية وإقحام رأيه واجتهاداته عليها، مع محاولة فرضها على من حوله، أثبت لنا أنه (أي الإنسان) أخبث المخلوقات وأكثرها شراسة، ودخل في جبهات صراع أخرى، الحروب من جهة، والمجتمعات التقليدية من جهة، والتكنولوجيا من جهة...
في الرابع من فبراير/ شباط؛ سيحتفل العالم باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، للانتصار للإنسانية، من خلال التسامح والتعايش، من أجل الخروج بأقل الخسائر من صراع الحياة التي تزعزع الإنسانية.
الإنسانية هي مبدئي الذي أنتمي إليه، ومرجعيتي التي أعود إليها، وهي مصدر السلام الذي يحتاج إليه العالم، والحل الوحيد لكلّ مشكلات الأرض. ولن ينجح أحد في خدمة الحياة حتى يعود إلى إنسانيته الصافية التي تنبع من الفطرة السوية.