02 سبتمبر 2024
التاجر الذي هرب مع السكرتيرة
افتتح العم أبو محمد جلسة "الإمتاع والمؤانسة" بقوله إن الإنسان يتعرض في بعض الأحيان لحوادث مؤلمة، تمضُّ في نفسه، وتوشكُ أن توصله إلى الموت قهراً، ولكن الحوادث نفسها تبدو له، بعد ثلاثين أو أربعين سنة، مسلية، بل ومضحكة.
مناسبة هذا الحديث ما ورد في سياق الحكاية التي رواها الأستاذ كمال، وأتى فيها على ذِكْرِ رجال الأعمال الذين احتالوا على الناس في سورية وأخذوا منهم نقودهم وتركوهم يتخبطون وكأنهم جرحى ينتظرون أن تأتي سيارة الإسعاف لتنقذهم، ولكن السيارة لا تأتي.
مناسبة هذا الحديث ما ورد في سياق الحكاية التي رواها الأستاذ كمال، وأتى فيها على ذِكْرِ رجال الأعمال الذين احتالوا على الناس في سورية وأخذوا منهم نقودهم وتركوهم يتخبطون وكأنهم جرحى ينتظرون أن تأتي سيارة الإسعاف لتنقذهم، ولكن السيارة لا تأتي.
قال أبو ماهر: أنا شايفْ إنه العَمْ أبو محمد حابب يروي لنا شي حكاية، وهادا شي سارّ، لأنه هوي بالعادة بيسمع وما بيحكي.
قال أبو محمد: نعم نعم. أنا يا سيدي كنت إشتغل في التجارة، وأحوالي المادية فوق الريح.. واللي كانوا يجمعوا أموال كانوا يركزوا أكترْ شي عَ الموظفين.. يعني إذا بدك تحكي بالعقل والمنطقْ بتقولْ إني أنا لازم أكونْ برات هاي القصة. أما الموظف، فمتلما بتعرفوا عنده دوام ومو فاضي يبيع ويشتري ويتاجر. كان الموظف إذا ادَّخَرْ شوية مصاري من خلال العمل الإضافي بعد الدوام، أو إذا طلعتْ لُه ورتة من أهله أو من أهل مرته، بيلجأْ لإيداعْ المدخراتْ عند واحدْ من التجار اللي بيجمعوا أموال، على أمل يْحَصِّلْ منها مبلغْ شهري بيساعده على سد نفقات أسرته، لأنه الرواتب في سورية قليلة.
قال أبو ماهر: كل شي حكيته صحيح. بس أنا ما فهمت، يعني إنته تعرضت للاحتيال من شي "جامع أموال"؟
قال أبو محمد: أي نعم. ولأني أنا في الأساس تاجر، وما برضى إنه حدا يضحك عليّ، حَزِّتْ الشغلة بنفسي، وانقهرتْ كتيرْ، وكنت على وشك إني إفْقَعْ. هادا الشي كان بوقتها، لاكنْ هلق لما بفكر بالقصة بلاقيها مسلية.
قال كمال: أبو محمد اكْتَشَفْ اكتشافْ رائع.
قال أبو جهاد: اكتشاف؟
قال كمال: نعم اكتشاف. أخي لما إنته بتكون غضبانْ منشان خسارة مادية وبيجي حدا بيقلكْ (رَوِّقْ عمي مو حرزانة..)، أو بيقلك (سَطِّحْ وحط في الخرج.. مالْ الدنيا بيبقى في الدنيا).. إنته ممكن تتضايق، لاكن بصراحة هاي كلها حكم منطقية.. لإنه إذا الواحد طق أو فقع نتيجة الاحتيال اللي تعرضْ لُه بيكون خسر حياته إضافة لخسارته المادية.. لهيك لازم يْسَطِّحْ.
قلت: الإنكليز في عندهم حكمة مشابهة للحِكَمْ تبعنا، بيقولوا للشخص المتوتر الغضبان: (Take it easy) يعني خودْ الأمر ببساطة.
قال أبو محمد: المهم، راحْ إحكي لكم هلق اللي صار معي من طَقْطَقْ للسلام عليكم. أنا ما كان يخطر لي في يوم من الأيامْ إني أحطّْ مصاري مع حدا، لاكن جيراننا في الحارة كانوا يحكوا عن جامع أموال حَلَبي كتيرْ كويس، محترمْ، دَيِّنْ، إسمه "الحاج عبد الغني" (ملاحظة: الاسم غير حقيقي).
قالوا إنه أبغضْ شي على هالإنسان إنه يْدَخِّلْ على مالُه مالْ حرامْ، وإذا بتقعدْ معه بتلاقي وجهه طافح بالنور، وشفايفه (شفاتيره) ما بتوقف عن ذكر الله. وحكوا كمان إنه الحاج عبد الغني مو مستعدّ ياخُدْ مصاري من الناس للتشغيل والاستثمار إلا ضمن إمكانياته، يعني إذا كان حجم عمله خمسة وعشرين مليون ليرة سورية، بيفتح المجال للناس تودع عنده لحد الخمسة وعشرين مليون. ليش؟ قال لأنه ضمن هاي الحدود بيشتغلْ وبيربحْ بالحلال، وبيوزع الأرباح على المكتتبين بالعدل، لكل واحد بيعطيه حسب أمواله، وقالوا لي إنه هلق صارْلُه سنة عم يجمع أموال، وكل رأس شهر بيتصل المعاون بالشخص المُوْدِعْ وبيقلُّه: أرباحك هالشهر يا أخي العزيز هيي المبلغ الفلاني تفضل استلمها.. وقال هوي مسمي هاد الإنسان "المعاون" حتى ما يسميه "سكرتير" هاي كلمة أجنبية، وهوي مو مستعد يتفرنج.. وما بيقبل يوظف امرأة بصفة معاونة (سكرتيرة)، لأنه المعاونة ممكن تداوم معه أحياناً في الليل، وفي الليل بيلعب الشيطان الرجيم بعقل الزلمة وبعقل الحرمة وبتصير أمور حقيرة لا سمح الله.. باختصار هوي رجل ما بيبتغي من هالدنيا غير الربح الحلال، والعمل الحلال، واتقاء مواضعْ الشبهات..
قال أبو جهاد: بتعرف يا أبو محمد؟ أنا لو حدا حكى لي عن هيك واحد بهديكه الأيام كنتْ ببيع بيتي وبحطّْ تمنه معه!
قال أبو محمد: بتصدق يا أبو جهاد؟ في كتير ناسْ يوميتها باعوا بيوتهم وحطوا تمنها مع الحاج عبد الغني، لأنه الربح اللي كان يدفعُه للناس أكبر بكتير من إيجار البيت، يعني إنته بتبيع بيتك وبتحط المصاري مع الحجي، وبتستأجر بيت وبتدفع الأجرة، وبيزيدْ معك مبلغْ كبيرْ. وفي ناس طلبوا من "المعاون" إنه ما بدهم ياخدوا الأرباح الشهرية، وعطوه تفويضْ إنه يضم الأرباح لرأس المال، حتى تصير الشغلة محرزة، لاكنْ المعاون كان يعتذر ويقول للشخص: ما بيرضى الحجي، قال لي خلي الناسْ تتنعم بالأرباح اللي هيي نعمة من عند الله تعالى.
قال كمال: إنته بالخلاصة أودعتْ مصاري مع الحاج عبد الغني؟
قال أبو محمد: أي والله. وهلق منكون وصلنا للشي المضحك في الحكاية. وهوي إنه يوم رحتْ أنا لحلبْ حتى أودع معه ميتين ألف ليرة سورية (ما يعادل 4500 دولار) كان الرجل الحقيرْ الواطي "الحاج عبد الغني" عم يضبّْ المصاري اللي غنمها من الناس، ومقدارها شي خمسين مليون ليرة سورية، ومجهز حاله للهروب من البلد.. وجيت أنا وطلبت من المعاون يودع لي الـ 200 ألف ليرة، فقال لي: (آسفين يا أخي. ما في مجال). المضحكْ إني صرت إترجاه وإتوسل إليه إنه ياخدها مني. فأخدها. وأنا ركبت سيارتي ورجعتْ ع البلد، وهوي (على حسب ما حكوا الناس) غادر حلب مع سكرتيرته الصبية الجميلة، وما حدا بيعرف لوين اتجهوا!
قال أبو محمد: نعم نعم. أنا يا سيدي كنت إشتغل في التجارة، وأحوالي المادية فوق الريح.. واللي كانوا يجمعوا أموال كانوا يركزوا أكترْ شي عَ الموظفين.. يعني إذا بدك تحكي بالعقل والمنطقْ بتقولْ إني أنا لازم أكونْ برات هاي القصة. أما الموظف، فمتلما بتعرفوا عنده دوام ومو فاضي يبيع ويشتري ويتاجر. كان الموظف إذا ادَّخَرْ شوية مصاري من خلال العمل الإضافي بعد الدوام، أو إذا طلعتْ لُه ورتة من أهله أو من أهل مرته، بيلجأْ لإيداعْ المدخراتْ عند واحدْ من التجار اللي بيجمعوا أموال، على أمل يْحَصِّلْ منها مبلغْ شهري بيساعده على سد نفقات أسرته، لأنه الرواتب في سورية قليلة.
قال أبو ماهر: كل شي حكيته صحيح. بس أنا ما فهمت، يعني إنته تعرضت للاحتيال من شي "جامع أموال"؟
قال أبو محمد: أي نعم. ولأني أنا في الأساس تاجر، وما برضى إنه حدا يضحك عليّ، حَزِّتْ الشغلة بنفسي، وانقهرتْ كتيرْ، وكنت على وشك إني إفْقَعْ. هادا الشي كان بوقتها، لاكنْ هلق لما بفكر بالقصة بلاقيها مسلية.
قال كمال: أبو محمد اكْتَشَفْ اكتشافْ رائع.
قال أبو جهاد: اكتشاف؟
قال كمال: نعم اكتشاف. أخي لما إنته بتكون غضبانْ منشان خسارة مادية وبيجي حدا بيقلكْ (رَوِّقْ عمي مو حرزانة..)، أو بيقلك (سَطِّحْ وحط في الخرج.. مالْ الدنيا بيبقى في الدنيا).. إنته ممكن تتضايق، لاكن بصراحة هاي كلها حكم منطقية.. لإنه إذا الواحد طق أو فقع نتيجة الاحتيال اللي تعرضْ لُه بيكون خسر حياته إضافة لخسارته المادية.. لهيك لازم يْسَطِّحْ.
قلت: الإنكليز في عندهم حكمة مشابهة للحِكَمْ تبعنا، بيقولوا للشخص المتوتر الغضبان: (Take it easy) يعني خودْ الأمر ببساطة.
قال أبو محمد: المهم، راحْ إحكي لكم هلق اللي صار معي من طَقْطَقْ للسلام عليكم. أنا ما كان يخطر لي في يوم من الأيامْ إني أحطّْ مصاري مع حدا، لاكن جيراننا في الحارة كانوا يحكوا عن جامع أموال حَلَبي كتيرْ كويس، محترمْ، دَيِّنْ، إسمه "الحاج عبد الغني" (ملاحظة: الاسم غير حقيقي).
قالوا إنه أبغضْ شي على هالإنسان إنه يْدَخِّلْ على مالُه مالْ حرامْ، وإذا بتقعدْ معه بتلاقي وجهه طافح بالنور، وشفايفه (شفاتيره) ما بتوقف عن ذكر الله. وحكوا كمان إنه الحاج عبد الغني مو مستعدّ ياخُدْ مصاري من الناس للتشغيل والاستثمار إلا ضمن إمكانياته، يعني إذا كان حجم عمله خمسة وعشرين مليون ليرة سورية، بيفتح المجال للناس تودع عنده لحد الخمسة وعشرين مليون. ليش؟ قال لأنه ضمن هاي الحدود بيشتغلْ وبيربحْ بالحلال، وبيوزع الأرباح على المكتتبين بالعدل، لكل واحد بيعطيه حسب أمواله، وقالوا لي إنه هلق صارْلُه سنة عم يجمع أموال، وكل رأس شهر بيتصل المعاون بالشخص المُوْدِعْ وبيقلُّه: أرباحك هالشهر يا أخي العزيز هيي المبلغ الفلاني تفضل استلمها.. وقال هوي مسمي هاد الإنسان "المعاون" حتى ما يسميه "سكرتير" هاي كلمة أجنبية، وهوي مو مستعد يتفرنج.. وما بيقبل يوظف امرأة بصفة معاونة (سكرتيرة)، لأنه المعاونة ممكن تداوم معه أحياناً في الليل، وفي الليل بيلعب الشيطان الرجيم بعقل الزلمة وبعقل الحرمة وبتصير أمور حقيرة لا سمح الله.. باختصار هوي رجل ما بيبتغي من هالدنيا غير الربح الحلال، والعمل الحلال، واتقاء مواضعْ الشبهات..
قال أبو جهاد: بتعرف يا أبو محمد؟ أنا لو حدا حكى لي عن هيك واحد بهديكه الأيام كنتْ ببيع بيتي وبحطّْ تمنه معه!
قال أبو محمد: بتصدق يا أبو جهاد؟ في كتير ناسْ يوميتها باعوا بيوتهم وحطوا تمنها مع الحاج عبد الغني، لأنه الربح اللي كان يدفعُه للناس أكبر بكتير من إيجار البيت، يعني إنته بتبيع بيتك وبتحط المصاري مع الحجي، وبتستأجر بيت وبتدفع الأجرة، وبيزيدْ معك مبلغْ كبيرْ. وفي ناس طلبوا من "المعاون" إنه ما بدهم ياخدوا الأرباح الشهرية، وعطوه تفويضْ إنه يضم الأرباح لرأس المال، حتى تصير الشغلة محرزة، لاكنْ المعاون كان يعتذر ويقول للشخص: ما بيرضى الحجي، قال لي خلي الناسْ تتنعم بالأرباح اللي هيي نعمة من عند الله تعالى.
قال كمال: إنته بالخلاصة أودعتْ مصاري مع الحاج عبد الغني؟
قال أبو محمد: أي والله. وهلق منكون وصلنا للشي المضحك في الحكاية. وهوي إنه يوم رحتْ أنا لحلبْ حتى أودع معه ميتين ألف ليرة سورية (ما يعادل 4500 دولار) كان الرجل الحقيرْ الواطي "الحاج عبد الغني" عم يضبّْ المصاري اللي غنمها من الناس، ومقدارها شي خمسين مليون ليرة سورية، ومجهز حاله للهروب من البلد.. وجيت أنا وطلبت من المعاون يودع لي الـ 200 ألف ليرة، فقال لي: (آسفين يا أخي. ما في مجال). المضحكْ إني صرت إترجاه وإتوسل إليه إنه ياخدها مني. فأخدها. وأنا ركبت سيارتي ورجعتْ ع البلد، وهوي (على حسب ما حكوا الناس) غادر حلب مع سكرتيرته الصبية الجميلة، وما حدا بيعرف لوين اتجهوا!