الحراك الروسي ولعبة التهدئة في لبنان

22 مارس 2021
+ الخط -

تعود العلاقات (الروسية - اللبنانية) بجذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث افتتحت أول قنصلية روسية في بيروت عام 1839، بينما كانت البداية الحقيقية للنشاط الدبلوماسي بين الجانبين في نهاية 1943 حين اعترف الاتحاد السوفياتي باستقلال لبنان، كما بذل جهودًا حثيثة من أجل انسحاب القوات (الإنكليزية - الفرنسية) من بلاد الأرز، كما استخدم الاتحاد السوفياتي في عام 1946 لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حق النقض دفاعًا عن استقلال لبنان واستقلال سورية.

تشهد العلاقات (الروسية - اللبنانية) تقارباً متصاعداً منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية. فلم تتجاهل العين الروسية سواحل لبنان، التي تمثل امتداداً طبيعياً للساحل السوري حيث حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية للبلدين.

روسيا والمنطقة

لدى روسيا ثلاثة أهداف رئيسية في منطقة الشرق الأوسط: جذب أكبر عدد ممكن من الدول من مجال النفوذ الغربي إلى مجال نفوذها وتحقيق موقع متميز، تضخيم حجم توريدها للأسلحة، إضافة إلى ملف الطاقة. كلٌّ من هذه الأهداف تشمل لبنان.

يسعى الرئيس الروسي إلى ربط الدول الحليفة لموسكو من خلال تقديم المساعدة العسكرية والدعم الاقتصادي. الشيء الجيد بالنسبة إلى الروس هو أن الصديق الصغير يُصبح معتمداً على موسكو.

الفترة المقبلة سنشهد مزيدا من الحراك السياسي الذي قد يلعب دورا في الحد من الانهيار المالي والاقتصادي

يسعى بوتين أيضاً إلى تعزيز مصالح الشركات الروسية الكبرى وزيادة أرباحها عبر حلفاء الكرملين الأجانب. لذا، يجب أن يكون كل حليف صغير سليماً من الناحية المالية. كلا النهجين يساعدان موسكو على ملء المساحات المُهمَلة من قبل واشنطن.

التعاون

التعاون (الروسي - اللبناني) كان مقتصراً على تبادلات تجارية محدودة بعد انتهاء نجم الاتحاد السوفياتي، الذي اكتفى في تلك الحقبة بتقديم منح تعليمية لطلاب من أحزاب يسارية لبنانية.

وفي الآونة الأخيرة هناك نمو في التبادل التجاري بين البلدين و لكنه بطيء إلى حد، فارتفع التبادل 17.5 بالمئة ولكن لم يتخط المليار بين البلدين. في المقلب الآخر، هناك اهتمام روسي بمجالات أكبر كالطاقة وإعادة إعمار سورية من خلال المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس.

فتعزيز العلاقات اللبنانية الروسية يشكل حاليا النتيجة الطبيعية للدور الروسي المحوري في المشرق، الذي يركز خطواته على الاستقرار ومواجهة الإرهاب والاستفادة من ملف الغاز في شرق المتوسط.

الأسباب الاستراتيجية

هناك أهداف استراتيجية مختلفة للاهتمام الروسي بالملف اللبناني، أولها تفعيل دورهم في منطقة شرق المتوسط ومواجهة المحور الغازي القوي بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، والذي قد يسهم في التأثير على مبيعات الغاز الروسي لأوروبا في حال مد أنبوب شرق المتوسط إلى إيطاليا.

الاقتصاد السوري الذي يتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بالاقتصاد اللبناني، ويأمل الروس أن تمكنهم في الحد من الانهيار الحاصل ممكن أن يساعد الاقتصاد السوري، ومما يعني تعزيز دورهم بشكل أقوى وخصوصاً أن هناك تمنع استثمار (إماراتي - تركي - قطري) في ظل قانون قيصر الأميركي.

لبنان ممكن أن يستفيد من روسيا بملفات مختلفة أولها ملف النازحين السوريين، حيث هناك اهتمام روسي بهذا الملف حيث يساعدهم على إعطاء مزيد من الشرعية لبشار الأسد، ولبنان بحاجة إلى هكذا تسوية تساعده في تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

إضافة إلى ذلك ممكن أن تساعد روسيا في حلحلة بعض العقد السياسية الإقليمية وإدراج الملف اللبناني في منصات مختلفة إقليمية ودولية، حيث هذا الجمود السياسي قاتل للبنان وفي الوقت عينه ممكن إجراء تسوية ربط نزاع تساعد لبنان على الخروج من الصراعات الإقليمية إلى حد ما.

روسيا تعتبر أن لبنان خاصرة لسورية، وتعتبر لبنان جزءا من أمنها الاستراتيجي، فهي نجحت في الاستثمار في منشآت النفط في طرابلس وتبدي أهمية في مجالات أخرى، ولكن تنتظر الظرف المناسب الإقليمي والدولي لكي تبادر بشكل أقوى.

المرحلة المقبلة

يحاول الروسي في ظل الانكفاء الأميركي داخلياً وتفويض بعض المهام للحلفاء، أن يستغل هذه الفترة في إيجاد أدوار مختلفة في منطقة الشرق الأوسط منطلقا من هذا الانكفاء، واستعمال بعض أوراق القوة التي تمتلكها خصوصا في الملفين السوري والإيراني.

تعد زيارة وزير الخارجية الروسي للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية برحلة لملمة الأوراق إقليمياً، وكان أبرزها الملف اليمني حيث يحاول الروس إيجاد مساحات مشتركة بين المتصارعين للعب دور أكبر وليستفيد من تعزيز دوره العسكري والاقتصادي.

وفي المقلب الآخر دعوة  حزب الله إلى موسكو لمناقشة ملفات مختلفة تأتي من ضمن السلسلة التي ناقش بها دول الخليج العربي، منها دوره في سورية والواقع اللبناني، حيث يحاولون حلحلة بعض العقد التي تصب في مصلحتهم خلال المرحلة الحالية للحد من الانهيار الحاصل في البلدين. ومن ضمن هذا السياق أتى الاجتماع الروسي بالرئيس المكلف سعد الحريري بالإمارات العربية المتحدة.

الفترة المقبلة سنشهد مزيداً من الحراك السياسي الذي قد يلعب دورا في الحد من الانهيار المالي والاقتصادي، أو على الأقل ضبط الانهيار لتمرير الوقت بفترة أقل قساوة حتى حصول التسوية الشاملة مستقبلا.

دلالات