الدلالات الثقافية والرمزية لـ"العلم الأمازيغي"
يشكل تاريخ 30 أغسطس/آب من كلّ سنة يوماً للاحتفاء بالعلم الأمازيغي من قبل مختلف الناشطين داخل الحقل الثقافي الأمازيغي بمنطقة شمال أفريقيا، لما يحمله هذا الحدث من أبعاد ثقافية ودلالات رمزية.
جاءت فكرة العلم خلال فعاليات مؤتمر تافيرا في جزر كناريا سنة 1997، حيث تمكن لأوّل مرّة نشطاء أمازيغ ينتمون إلى المغرب والجزائر ومالي والنيجر والدياسبورا... من عقد اجتماع تاريخي لتنظيم المؤتمر الأول للكونغرس العالمي الأمازيغي كإطار مدني دولي يندرج في سياق تدويل المسألة الأمازيغية، ويهتم بوضع الأمازيغية ومستقبلها، والبحث عن سبل وآليات توحيد صفوف "إيمازيغن" والدفاع عن المطالب الأمازيغية. لكن بعض الكتابات المهتمة بالشأن الأمازيغي، تفيد بأنّ الفكرة طُرحت لأوّل مرّة من قبل أحد أعضاء الأكاديمية البربرية بالعاصمة الفرنسية باريس، خلال ستينيات القرن الماضي، وهو الناشط الجزائري الأمازيغي القبائلي، موحند أعراف بسعود، إلا أنّ فكرته لم تُلتقَط ويؤخَذ بها. وتفيد كتابات أخرى بأنّ العلم الأمازيغي كان موجوداً في أحداث الربيع الأمازيغي في الجزائر سنة 1980، بسبب منع محاضرة مولود معمري بجامعة تيزي وزو، ولم يكن حينها العلم معروفاً.
سيعرف العلم الأمازيغي منعطفاً جديداً بعد الموافقة عليه في مؤتمر تافيرا بجزر كناريا كعلم يرمز إلى هوية شعوب شمال أفريقيا ووحدتها، حيث سيحظى بإشعاع كبير بعد أن شرعت الجمعيات الثقافية الأمازيغية في استعماله في لقاءاتها وتجمّعاتها، والأكثر من ذلك بدأ يظهر في تظاهرات ثقافية وفنية ورياضية. ولعلّ أبرز مثال على ذلك، حضوره القوي في مباريات فريق حسنية أغادير لكرة القدم بالمغرب وفريق شبيبة القبائل بالجزائر، وكذلك في احتجاجات حركة 20 فبراير/ شباط 2011، بل وقد تعدّى هذا العلم الحدود الجغرافية لشمال أفريقيا، ليظهر في مباراة لكرة القدم في نهائيات كأس العالم بقطر، وقبلها خلال مباراة لفريق إشبيلية الإسباني إثر فوزه بلقب الدوري الأوروبي.
أثار العلم الأمازيغي جدلاً واسعاً في الجزائر والمغرب، وتعرّض نشطاء الحركة الأمازيغية لمضايقات في البلدين المذكورين
أثار العلم الأمازيغي جدلاً واسعاً في الجزائر والمغرب، وتعرّض نشطاء الحركة الأمازيغية لمضايقات في البلدين المذكورين، حيث سبق للسلطات الجزائرية أن اعتقلت العشرات ممن كانوا يحملون هذا العلم، كذلك فأنّ سلطات المغرب سبق لها أن اعتقلت مشجعاً كان يحمل العلم الأمازيغي في مباراة كرة القدم لفريق عاصمة سوس، مدينة أغادير، بالمغرب، ومُنع في أكثر من مناسبة في المغرب والجزائر، فيما لم يكن من الممكن الحديث عنه في باقي بلدان شمال أفريقيا، أي تونس وليبيا قبل أحداث الربيع العربي.
استغل خصوم الثقافة الأمازيغية الإشعاع الذي بدأ يظهر به العلم الأمازيغي، وكذلك حضوره البارز في الفضاء العام، للترويج لمغالطات إيديولوجية من قبيل نزوعه الانفصالي، وأنه ينحو في اتجاه أن يكون منافساً أو أنّه يشكل بديلاً للعلم الوطني. لكن التحوّلات الجوهرية التي عرفتها المسألة الأمازيغية في المغرب، بقيادة الملك محمد السادس منذ الخطاب الملكي التاريخي بأغادير سنة 2001، وما تلا ذلك من تطوّرات نوعية في تعاطي الدولة مع هذا المكوّن الثقافي، آخرها إقرار رأس السنة الأمازيغية كيوم عطلة، كان لها تأثيرها الإيجابي في تغيير بعض الأفكار والتصالح مع العلم الأمازيغي، كعلم يرمز إلى ثقافة وهوية المدافعين عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية.
كذلك يرمز العلم الأمازيغي إلى الرقعة الجغرافية "تامازغا" الممتدة من واحة سيوة في مصر شرقاً، حتى جزر الكناري غرباً، ومن سواحل البحر الأبيض المتوسط شمالاً حتى نهر السنغال جنوباً. ويتكوّن من ثلاثة ألوان، اللون الأزرق ويرمز إلى البحر، أي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والأخضر، ويشير إلى الطبيعة والسهول والجبال، والأصفر ويرمز إلى مجال الصحراء الكبرى. أما اللون الأحمر، فيرمز إلى المقاومة والنضال والتضحية، وقد كتب به حرف الزاي الذي يحيل على اللغة الأمازيغية. وتفيد الألوان مجتمعة بارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه التي استوطنها منذ آلاف السنين.
العلم الأمازيغي آلية للتواصل والتعبير عن قيم مجتمعية، منها أساسا العدالة والكرامة والعيش المشترك.
هكذا تصالحت بعض أنظمة شمال أفريقيا مع العلم الأمازيغي بوصفه يرمز دولياً إلى الهوية والخصوصية الثقافية من قبل المدافعين عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية بالرقعة الجغرافية "تامزغا"، ولكونه أيضاً لا يحمل أيّة نزعة انفصالية، ولا يطمح حاملوه إلى أن يجعلوا منه بديلاً للعلم الوطني الرسمي للبلاد، وأخيرا لأنّ الحركات الاجتماعية الجديدة في بقاع العالم لها أعلامها الخاصة التي تميّز هويتها وشخصيتها.
لقد أصبح العلم الأمازيغي اليوم جزءاً من الكيان الوطني، وأصبح موضوعاً للكتّاب والفنانين والتشكيليين الذين عبّروا عن إبداعهم من خلاله، كذلك أصبح جزءاً من النسيج الجمعوي الثقافي، حيث نجد مكوّناتها ترفعه في تجمعاتها التنظيمية وتظاهراتها الثقافية واحتجاجاتها النضالية. إنّه آلية للتواصل والتعبير عن قيم مجتمعية، منها أساساً العدالة والكرامة والعيش المشترك.
لقد أجبرت التطوّرات النوعية التي عرفتها المسألة الأمازيغية منذ الخطاب الملكي بأغادير سنة 2001، على التصالح مع العلم الأمازيغي كعلم ثقافي وهُوياتي، وذلك في إطار مصالحة مؤسساتية شاملة قادتها المؤسسة الملكية بنجاح، ولامست مجالات متعدّدة، منها الأمازيغية في أبعادها المختلفة المرتبطة باللغة والثقافة والهوية والانتماء والحضارة والتاريخ.