الدين والعلاج النفسي
هناك طرق عدة للعلاج النفسي اليوم، ربما أكثرها نجاعة هي الطرق التقليدية، التأمل في الطبيعة، قضاء الوقت مع من نحب، الموسيقى، وفي بعض الأحيان الأخرى اعتزال الناس والضوضاء، والركون إلى مكان آمن ننصت فيه إلى تلك الأصوات التي بداخلنا، نتأمل أنفسنا، ونحاول أن نجيب عن تلك الأسئلة التي تحيرنا، وحيرت من سبقنا أيضا، أما العلاجات التي تعتمد العقاقير، أو التي تقوم على برامج معقدة، فتلك لا تستعمل إلا في الحالات الحرجة.
هل يعني هذا الأمر أن الإنسان دمر نفسه من حيث أنه كان يريد لها الإصلاح، من يدري ما يشاهده العالم اليوم قد يكون خير دليل، هل وصلنا إلى آخر النفق، وبدأنا نبحث عن أول الطريق الذي سلكناه، ربما لم لا، منذ مدة وأنا أهتم بقضايا علم النفس والدين، ومرة بعد أخرى أصل إلى أمور قد تبدو صادمة، فعلى خلاف ما يروج له، من أن العلم أصبح يشغل مكان الدين، فإن علم النفس يخبرنا عكس ذلك تماما.
في هذا الأسبوع تلقيت نشرة بريدية، من الجمعية الأميركية لعلم النفس، عن أكثر المواضيع التي تناقش في علم النفس اليوم، يلفت انتباهي مسألة العلاج النفسي والدين، طبعا والروحانيات أيضا، لكن هنا لا بد من الإشارة إلى أن قضية الروحانيات، دخلت العلاج النفسي منذ وقت مبكر، أي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت بعض مذاهب الديانات الشرقية، قد بدأت تغزو العالم الغربي، خاصة البوذية والطاوية، وغيرهما، قد نسأل سؤالا لم هذه الأديان؟ بل في بعض الأحيان كانت تشوه، ولا تمارس على حقيقتها.
تشير البحوث إلى أن أكثر من سبعين في المائة، يحبون أن يناقشوا قضايا تتعلق بالدين أثناء جلسات العلاج
الجواب ربما يأتي من معرفة طبيعة هذه الأديان، أو المذاهب الروحانية، فهي مذاهب توفر للناس الإشباع الروحي الذي يتطلعون إليه، وذلك من غير إلزامهم بكثير من القيود، أو ربما هي مذاهب كان يسهل على الناس تكييفها مع واقعهم، حيث إنها لم تكن تتطلب التزاما بممارسة طقوس ما، بل في كثير من الأحيان كانت تتماشى مع مذهب الفردانية والحرية المطلقة، قد تكون هناك عوامل أخرى بكل تأكيد، لكن هذه من ضمنها، ولهذا نجد أن مشاهير النجوم والكتاب، كانوا متبنين لهذه المذاهب، وبعضهم الآخر، كان يفضل الذهاب إلى تلك المستعمرات، لممارسة طقوسها، لكن السؤال هل نجحت هذه الأديان في تخليص الإنسان من آلامه النفسية؟
الإقبال الأخير على الأديان، والمقصود هو الأديان التوحيدية الثلاثة المعروفة، تشير البحوث إلى أن أكثر من سبعين في المائة، يحبون أن يناقشوا قضايا تتعلق بالدين أثناء جلسات العلاج، كما أن هناك أبحاثا كثيرة بدأت تنشر من قبل بعض الممارسين الإكلينيكيين انطلاقا من الثمانينيات إلى الآن تؤكد دور الدين في العلاج النفسي، كما تؤكد أيضا دور الدين في الحد من السلوكيات غير الاجتماعية، وهذا ما يفسر أيضا الإقبال على اعتناق الأديان، ومن لا يريد أن يشغل نفسه بهذه الحقائق، ينغمس في عالم المخدرات والهلوسة، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
للأسف الخطاب الديني الإسلامي، أصابه الكثير من التشويه مطلع القرن العشرين، بدءا من كونه دينا لشعوب متخلفة، إلى كونه دينا للإرهاب والعنف، من المسؤول عن هذا الأمر، هل نحن أم هم، أم ترى أن المسؤولية مشتركة؟ سؤال يبقى معلقا، اليوم مثلا الدين الإسلامي هو من أكثر الأديان جذبا للشباب في الغرب، لكن بدون شك الأحداث التي تجري الآن سيكون لها انعكاسات بكل تأكيد، ستكون إيجابية لمن لهم ضمير حي، وبالطبع سيستغلها البعض الآخر للترويج لأطروحاتهم التي تقوم على العنف والنبذ، ما يهم من كل هذا هو أن الدين سيكون له دور فعال في العلاج من الاضطرابات النفسية، التي بدأت تغزو العالم، وستصبح سيدة الموقف في المستقبل القريب بدون منازع.
في العالم العربي، الكثيرون ما زالوا متشبثين بأطروحات الماركسيين، وأطروحات التحليل النفسي، ويروجون لها ببعض المشاهد الشاذة من واقع المجتمع، من مثل أن المتدينين بدورهم يصابون بالاكتئاب، أو أن بعض المنتحرين هم متدينون، هذه الانطباعات للأسف لا تؤكدها الدراسات العلمية، وبالتالي فهي انطباعات شخصية فقط، في الكثير من الأحيان تكون صدى لأيديولوجيا معينة، السؤال المهم هو: ما الخطاب الإسلامي المناسب اليوم؟