الرأسمالية وتحرير جسد الأنثى (3)
لطالما كان هناك تركيز كبير على تحرير جسد الأنثى من القيود المجتمعية التقليدية والدينية بعد الثورة الجنسية. لكن هذا الأمر، دفع الرأسمالية والرأسماليين للإدراك أنّ المرأة ليست فقط قوة عاملة رئيسية، ولكنها منتج قابل للتسويق أيضًا.
صحيح أنّ بعض الفصائل النسوية قد احتجت في ما مضى على الطريقة التي يُصوّر فيها جسد المرأة من قبل هوليوود والصناعات الترفيهية مثلاً، ولكن من الصحيح أيضًا أنّه مع التلاعب على مستوى الخطاب والسرديات، أصبح هذا التجسيد الأنثوي البغيض، شكلاً مرغوبًا فيه أكثر بكثير من السابق. حيث بدل أن نقول إنّ فيه شكلا من أشكال التشييء للمرأة، أصبحنا نقول بأنّه نوع من أنواع التمكين والاحتفاء بحرية المرأة الجنسية والفردية. وهنا وصل الزواج بين الرأسمالية والنسوية إلى أفضل حالاته؛ أي أنّ الأنثى أصبحت في الوقت الحاضر كياناً مستهلكاً، وجسداً يتم تسويقه في نفس الوقت.
كما أنّه يمكن الجزم بأنّه منذ ستينيات القرن الماضي، أصبح جسد الأنثى المنتج الأكثر تصديراً من طرف الثقافة الغربية إلى بقية العالم. فمن منّا من لم يصادف في المجلات، بل وحتى على الإنترنت صوراً لمارلين مونرو وبريجيت باردو أو جاين مانسفيلد.. واللواتي كنّ يعتبرن "أيقونات جنسية" في الثقافة الغربية في عصرهن. وبهذا، تمّ التطبيع مع فكرة أنّ إبراز جسد ومفاتن المرأة في الثقافة المعاصرة، ما هو إلّا تمكين لها في نهاية المطاف.
وكنتيجة لهذا التحوير في المفاهيم والمصطلحات واللعب على مستوى الخطاب، تمّ استخدام جسد الأنثى في جميع أنواع الإعلانات الدعائية كأدوات لبيع المنتجات. في كثير من الأحيان، يتمّ تسويق منتجات مثل السيارات أو الإكسسوارات الفاخرة للرجال باستخدام جسد الأنثى، وأحيانا يبدو المنتج بعيداً كلّ البعد عن أداة تسويقه.
أصبح جسد الأنثى المنتج الأكثر تصديراً من طرف الثقافة الغربية إلى بقية العالم
ومع ذلك، تستمر الصناعات الترفيهية بالترويج للصور الفاحشة للممثلات والفنانات تحت حجّة تمكين المرأة والاحتفاء بإنجازاتها. علاوة على هذا، في الماضي أو الحاضر، أن تحصل ممثلة أو مغنية على لقب "أيقونة جنسية" يعني أنها نجحت في مجال الترفيه وصناعة العروض. كما أنّ التشييء المفرط الناتج عن ذلك لا يهم في هذه الحالة لأنّ هذا اللقب يفوز به فقط من هم في قمّة هذه الصناعات.
وأما بالنسبة للمنتجين الفنيين والسينمائيين، لطالما وجدت قيمة مادية تسويقية مرتبطة بجسد الأنثى. ففي النهاية، بالنسبة لهم، لا يتعلّق الأمر بتمكين المرأة كما يتم الدعاية له في الخطابات النسوية. إنما هم يمتثلون للشعار الشهير "الجنس يباع" (sex sells بالإنكليزية). وكنتيجة لذلك، حوّلوا جسد الأنثى إلى مجرّد منتج للاستهلاك من طرف المتلصّصين والمنحرفين.