السجن.. حلم لكل مواطن مصري!
أنشأ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ توليه حكم مصر أكثر من 45 سجنًا جديدًا، لتصل أعداد السجون إلى نحو 90 منشأة إصلاح وتهذيب، في مختلف ربوع المحروسة، وذلك ضمن خطة محكمة أُعدّت في 2014 لتحسين جودة حياة السجناء، والذين يُطلق عليهم اسم "نزلاء"، فهم في نظر الدولة ضيوف يستحقون معاملة آدمية لحين انتهاء محكوميتهم (التي لم تبدأ بعد).
اهتمام الرئيس السيسي بالسجون والسجناء دلالته أنّ مصر تعيش سنوات عجافا، فكما لكلّ إنسان مقعد في النار وآخر في الجنة، سعى الرئيس إلى أن يكون لكلّ مصري مكان خلف القضبان. فذلك المكان الذي كان قبل سنوات قليلة سجنًا يعاني منه المذنبون فقط، أصبح الآن واليوم، بحسب التقارير الإعلامية وتصريحات المسؤولين، مكانًا مريحًا يتمناه أيّ شخص، فاللحوم والفواكه والأسماك وجبات يومية للنزلاء، ناهيك عن الأجهزة الحديثة والمعدات الطبية والأطباء المهرة تحت خدمة السجناء، ليل نهار!
يأتي ذلك إضافة إلى تصريحات سابقة لمساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، أكد خلالها أنّ راتب النزيل يتراوح بين ثلاثة وستة آلاف جنيه، في محاولة لتأكيد رغد العيش الذي يعيشه هؤلاء. ولا أدري إن كان وراء تلك التصريحات دعوة خفية تحثّ المواطنين على التجربة أم لا. على أي حال التهم التضخم ذلك المبلغ وأصبح لا يساوي قيمة المغامرة.
على نقيض الكلام السابق، دعت منظمة العفو الدولية التي تعدّ إحدى أهم المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، إلى فتح تحقيق في مسألة التعذيب الممنهج الذي يُمارس ضدّ السجناء، مندّدةً بالظروف غير الآدمية التي يعيشها معتقلو الرأي والمعارضون السياسيون من مختلف التوّجهات، سواء الليبراليون، أو الإخوان، أو اليساريون، فالظروف السيئة تطاول الجميع.
كما لكلّ إنسان مقعد في النار وآخر في الجنة، سعى الرئيس المصري إلى أن يكون لكلّ مصري مكان خلف القضبان
ودعت المنظمة، مرارًا وتكراراً، إلى وقف المعاملة السيئة التي تنتهجها قوات الأمن، وطالبت بكشف ظروف الاحتجاز المزرية، وإنهاء استخدام حظر السفر والمضايقة القضائية لمعاقبة نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين، وبعد تلك الدعوات خرج النظام المصري ليثبت كذب الادعاءات وينفي تلك الاتهامات.
في إبريل/ نيسان 2022، دعا الرئيس السيسي إلى ما يسمّى الحوار الوطني لإقناع المتربّصين بأنّ حالة من التوافق السياسي ستسود مصر قريبًا، ففي الأسبوع الأول من شهر يوليو/ تموز، أيّ بعد أكثر من شهرين على الدعوة، انطلقت تنسيقية الحوار الوطني برئاسة نقيب الصحافيين آنذاك، ضياء رشوان، منسقًا عامًا، وتمّ اختيار المستشار الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، محمود فوزي، رئيسًا للأمانة الفنية للحوار الوطني.
ووفقاً لبيان أوردته التنسيقية في حينه، تمثلت أولى مهام رشوان، وهو رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في بدء التشاور مع القوى السياسية والنقابية وكلّ الأطراف المشاركة في الحوار الوطني، لتشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني من ممثلي كلّ الأطراف والشخصيات العامة والخبراء، بما يضمن المشاركة الفعالة والتوّصل إلى مخرجات وفقًا للرؤى الوطنية المختلفة، وبما يخدم صالح المواطن المصري.
وبعيدًا عن المقصود من الفقرة السابقة التي عمّمتها وسائل الإعلام، انقضى خمسة عشر شهرا ولم تقدّم التنسيقية أيّ شيء ذي قيمة، كما لم تنجح في إحداث أيّة انفراجة في الأفق السياسي المسدود في مصر، وضاعت ملايين من الجنيهات المنفقة من جيوب الفقراء، لإعداد ندوات واجتماعات ومؤتمرات، حضرها الرئيس وكبار المسؤولين.
أزمات دول الجوار سحبت الاهتمام من ملف المعتقلين الذين أوشك العالم على نسيانهم، لتستمر الأزمة التي بدأت منذ عشر سنوات عجاف
ولم تشهد الساحة السياسية في مصر أي تغيير، فالسجون كما هي مكتظة بالمعتقلين السياسيين من الصحافيين والنشطاء، والنيابات والمحاكم مستمرة في استقبال آلاف القضايا التي توّسعت لتشمل أصحاب المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتهم جاهزة (الانضمام إلى جماعة إرهابية ومحاولة قلب نظام الحكم)، كما تضخمت قوائم الممنوعين من السفر والمترقب وصولهم، والمحظورين من إصدار أوراقهم الثبوتية وجواز سفرهم.
التوّجه العام في البلاد، أكده الرئيس السيسي في إحدى جلسات الحوار الوطني، عندما قال إنّ "من في السجون لن يتم الإفراج عنهم، فوجودهم حماية للأمن القومي"، وعلى إثر ذلك انسحب كثيرون من المشاركين في التنسيقية لاقتناعهم بعدم جدواها، وانتهى الترويج لها، وأصبحت في خبر كان دون أن تحقّق مبتغاها في تبييض وجه النظام في أعين منتقديه في الخارج.
المنظمات الحقوقية والدولية تعلم جيدًا أنّ السجون المصرية تضم ما يزيد عن 60 ألف شخص، وجميعهم يتعرضون لمحاكمات وصفت بالجائرة، إلّا أنّ النظام يعتقد أنّ إنكاره يخدع العالم، وتصريحاته الدبلوماسية تأتي بنتيجة إيجابية، ولا يعلم أنّ الشمس لا تختفي بغربال، فالتصريحات التي تروّجها وسائل الإعلام بين الحين والآخر لم يصدّقها أحد. ولكن مع تزايد الأحداث العالمية وتلاحقها أصبح الرئيس وحكومته في غنى عن محاولات تخفيف النقد الغربي في ذلك الملف، فأزمات دول الجوار سحبت الاهتمام من ملف المعتقلين الذين أوشك العالم على نسيانهم، لتستمر الأزمة التي بدأت منذ عشر سنوات عجاف.