الشاعر الكذاب المناوب
في ذات يوم، أتى إلى المركز الثقافي بمدينة إدلب شاعرٌ من العاصمة، عُرف عنه الكذب والنفاق، والانبطاح، وألقى بعضاً من قصائده التي تنتمي إلى شعر التفعيلة، وكان ثمة عنصر من "الأمن السياسي" يحمل بيده دفتر مذكرات، وكان ذلك العنصر يصغي، ويفكر، وينتظر، ويكتب، ويشطب، وينفخ، مما يوحي بأنه لم يفهم شيئاً، وأن الأمور متعثرة في كتابة التقرير، وفجأة، وكأن فكرة جهنمية قد التمعت في ذهنه، مزق ما كتب، وانتظر حتى فرغ الشاعر من الإلقاء، وتقدم منه، أمام الحاضرين جميعاً، وعَـرَّفه على نفسه، بأنه فلان من "الأمن السياسي"، ثم طلب منه أن يعطيه صورة "فوتوكوبي" عن القصائد التي ألقاها، لكي يقدمها لقيادته عوضاً عن التقرير.
ابتسم الشاعر، وقال للعنصر:
- هذا حقك يا رفيق، والحق يُسكت الكبيرَ قبل الصغير، فأنتم، لعمري، الساهرون على أمن وطننا الغالي، الصامد في وجه الهجمات الاستعمارية الشرسة، والغزو الثقافي.. يا شباب، ووجّه خطابه إلى الحاضرين جميعاً، إنه، على الرغم من الظروف الدقيقة الحساسة التي يمر بها وطنُنا العربي، في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، والمؤامرات الخارجية الامبريالية العولمية، والداخلية المتمثلة بالتيارات الرجعية والماركسية، فإن قطرنا الصامد استطاع أن يلعب دوراً استراتيجياً وإقليمياً متميزاً، وهذا كله بفضل الحكمة والشجاعة والثبات على المبادئ القومية، وإصرار السيد الرئيس القائد، حافظ الأسد، على إحداث التوازن الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني الـ....
بلا طول سيرة، ظل شاعرنا يخطب أكثر من ساعة رملية، عن المبادئ والانتصارات والإنجازات والعطاءات.. فما كان من العنصر الشاب الحائر الذي يتأبط دفتر المذكرات إلا أن خرج من الباب لا يلوي على شيء، وهو يتمتم قائلاً:
- إلهي يخرب بيت هذا الشاعر. أنا كم قابلتُ في عملي من أناس كذابين وعلاكين ومنافقين ومزاودين، لكن، قسماً بالله، مثله ما شفت!