العلاقات التركية السورية.. آفاق التطور

20 نوفمبر 2022
+ الخط -

لا يخفى على أي متابع لمسار العلاقات التركية السورية، أنّ الأشهر الأخيرة شهدت من الجانب التركي، بالذات على مستوى وزارة الخارجية ومتحدّثي الرئاسة، العديد من الإشارات التي توحي بأنّ الأمور لم تعد كما كانت قبل سنوات، فما كان يعدّ لفترة طويلة، بالحد الأدنى من المستبعدات وأحياناً من المحظورات، أصبح مؤخّراً من الأخبار الروتينية العادية من قبيل إمكانية إجراء حوار بمستويات عليا، وعدم أبدية الخلافات السياسية، وغير ذلك من العبارات الدبلوماسية التي تحمل ما يمكن تسميته باللغة القانونية دعوة للتفاوض، وربمّا ترقى أحياناً لمرتبة الإيجاب الذي ينتظر قبولاً لإتمام الاتفاق.

من جانب آخر، يبدو المسؤولون في النظام السوري أقل حماساً في تلقي هذه الإشارات، وهذا ليس بالشيء الجديد على الأسلوب الذي يتبعه النظام السوري من خلال سلوكه التاريخي في إدارة التوتر في علاقاته مع باقي الدول، إذ غالباً ما يوصل النظام السوري رسائله وإجاباته في معظم الأحيان بشكل غير مباشر، بل عن طريق أدواته.

فالتفكير التكتيكي الحالي للحكومة التركية يكاد ينحصر في تسخير الظروف كافة لصالح تهيئة البيئة المناسبة للوصول إلى الشهر السادس في عام 2023 بما يخدم تحالف الحكومة الحالي للفوز بالانتخابات الرئاسية، وبعدها تعود من التكتيك إلى الإستراتيجية في محدّدات اتخاذ القرار.

بينما على النقيض من ذلك يبدو أنّ النظام السوري يجد في هذه الفترة القصيرة الحرجة فرصةً لا تعوّض لممارسة أقصى درجات المساومة وربما حتى الابتزاز، الذي يبرع فيه النظام السوري، لا سيّما أنّ هذا النظام وفي سبيل الوصول إلى غاياته يستطيع التجرّد من أي معايير أخلاقية أو قانونية لما يجوز وما لا يجوز. لا سيّما أنّ الجائزة التي يترقبها من جانب كبير من المعارضة التركية في حال نجحت في إيصال مرشحها المجهول حتى الآن إلى الرئاسة جائزة ليست بالقليلة. فهي تبدأ بإعادة العلاقات الدبلوماسية، ولا تنتهي بالتعاون التام مع هذا النظام في إعادة اللاجئين السوريين للعيش تحت سلطته.

التفكير التكتيكي الحالي للحكومة التركية يكاد ينحصر في تسخير الظروف كافة لصالح تهيئة البيئة المناسبة للوصول إلى الشهر السادس في عام 2023 بما يخدم تحالف الحكومة الحالي للفوز بالانتخابات الرئاسية

ولعلّ ما شهدته مدينة إسطنبول، أخيراً، يكاد يكون المستهدف الرئيس فيه هو الحكومة التركية لضرب ما تسعى إلى تهيئته كما سبق وذكرت من ضرورات التهدئة في المرحلة الحالية، ولعل المستفيد الرئيس فيه هو الطرف الآخر، سواء الأدوات التي يستخدمها النظام السوري، أو النظام السوري نفسه، أو حتى الدول والأطراف الإقليمية التي تنظر إلى النظام السوري نفسه وتستخدمه باعتباره أداة.

بناءً على كل ما تقدّم، فإنّ السؤال الذي يبرز إلى الواجهة هو "ما مسار العلاقات التركية السورية في المستقبل المنظور، وما آفاق تطورها في ضوء معطيات القطيعة الظاهرة علناً؟".

يبدو أنّ الإجابة عن هذا السؤال بالذات في هذه الظروف المليئة بالمتغيرات لن تكون خاضعة لضوابط سياسية أو عسكرية ثابتة، سواء إقليمية أو دولية، وإنما ستكون خاضعة لمعايير وظروف وقتية قد تتغير ما بين شهر وآخر، وربما حتى ما بين أسبوع ويوم وآخر.

فمن ناحية عاودت الحكومة التركية في الأيام الأخيرة الحديث تصريحاً وتلميحاً عن عملية عسكرية في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، وهذا إن حدث فسيكون عاملاً حاسماً في تقويض فرصة تطور هذه العلاقات، باعتباره سيكون مؤشراً على  تغير وجهة نظر صانع القرار في تركيا تجاه مسألة التهدئة والانفتاح تجاه النظام السوري ولو كانت مؤقتة.

أما من ناحية النظام السوري، فيبدو أنّ تفكيره الحالي يفضّل المراهنة على عامل الوقت ولا مشكلة عنده في الانتظار لصيف عام 2023 حتى يتّخذ قراره بناء على ما ستفرزه نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا، فإن حصل وحصدت المعارضة نتائج الانتخابات الرئاسية فسيكون قد كسب الرهان، وفي حال حصل خلاف ذلك، وفاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية ثانية، فلن يتبق أمام النظام السوري إلا التفكير جدياً في التضحية بحليفه التاريخي الـ"بي كي كي" وفروعه  في سورية مرة ثانية، وهذا بالطبع ما يمكن استنتاجه من قول الرئيس التركي، أخيراً، إنّ فتح علاقات جديدة مع النظام السوري يمكن أن يحصل بعد الانتخابات الرئاسية، في إشارة منه ربما إلى أن ذلك سيكون جبراً وليس خياراً بالنسبة للطرف السوري، ووفق الشروط التي ستفرضها في ذلك الوقت تركيا نفسها، وليس النظام السوري.

حسين الشيخ
حسين عبد العزيز الشيخ
حسين الشيخ مواطن سوري، حاصل على درجة الماجستير في القانون من كلية الحقوق في جامعة حلب. يقيم في اسطنبول، متابع للشأن التركي ومهتم بالعلاقات التركية العربية، ويدرس حالياً في قسم العدالة بجامعة أناضولو التركية. يعرّف عن نفسه بالقول "كثيراً ما نقع في امتحان المساومة بين المبدأ والمصلحة، ولعل هذا الامتحان هو الغربال الذي يميّز الجميل من القبيح، فلا فائدة لعلم أو مال أو جاه أو سلطة إذا تمّ تسخير علم العالم ومال الغني وسلطة الحاكم لصالح الظلم بدل العدل... فليس كلّ خسارة قابلة للتعويض".