العلم... ثقافة المستقبل

21 مايو 2024
+ الخط -

عندما نتحدّث عن العلم، تتبادر إلى أذهاننا تساؤلات من نوع: ما هو العلم الذي نقصده؟ هل هو العلم الشرعي أم العلم الطبيعي؟

هذه الثنائية والفصم بين أنواعِ العلوم قد وَصمت تفكيرنا العربي، بل وانحازت، ظلماً وعدواناً، نحو العلم الشرعي، باعتباره هو العلم فقط، وأنّ العلوم الأخرى، طبيعية أو غير طبيعية، كانت مجرّد "مشغلة"، كما يقول الإمام الشافعي:

كلُّ العُلُومِ سِوى القُرْآنِ مَشْغَلَة   إلاَّ الحَديث وَعِلْمِ الفِقْهِ في الدِّينِ

العلمُ ما قد كانَ فيه: حدثنا    وَمَا سِوى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ

 

إنّ تعريف العلم هو "إدراك الشيء بحقيقته"، فمن هذا التعريف ينسحب لفظ العلم على كلّ إدراكٍ لكُنِهِ الأشياء وحقائقها؛ فما يمارسه عالِم الكيمياء أو الفيزياء أو العلوم الطبيعية الأخرى، يدخل ضمن مُسمّى العلم، أو كما يقول أنور الجندي: "فالعلم الذي دعا الإسلام إلى تحصيله هو العلم على إطلاقه".

حول العلم، جاء كتاب الدكتور أحمد شوقي المُسمّى "العلم ثقافة المستقبل" في وقت اتُهم المسلمون بالتخلّف. وفي هذا الكتاب، يحاول المؤلف أن يقرّب العلم إلى القرّاء غير المتخصّصين أو العوام، ويطلعهم على أهمِ هموم العلم والمشتغلين بالأمور العلمية، وذلك "لأنّ العلم باعتباره من أهم أدوات التغيير المجتمعي لا يمكن أن يقوم بدوره بكفاءة إلّا إذا تحوّل إلى مكوّن عضوي من مكوّنات ثقافة المجتمع".

وليس المقصود من هذا التقريب أن يُدرج الكتاب وموضوعاته ضمن الثقافة العلمية بمفهومها "الكمي" التي تعني وجود جرعات من المعارف العلمية الأساسية والحديثة للراغبين في الإلمامِ بها، إنّما ضمن تقديم العلم كثقافة (science as culture)، ذلك المفهوم "الكيفي" الذي يستلزم اندماج وتفاعل التفكير العلمي ومناهجه في المكوّنات الأخرى لثقافة المجتمع، ويفترض أنّ تراكم الثقافة العلمية واستيعابها يستهل التحوّل الكيفي للعلم كثقافةٍ مع توافر المناخ المجتمعي الملائم، لذا لم يركز المؤلف على تقديم موضوعاتٍ علمية صرفة، بل الدوران حول تطلعات العلم واهتماماته، ومن ذلك تعريف القارئ مثلًاً، بما يُسمّى العلم الكبير، وهي المشاريع العلمية التي تتعدّى تكلفة إنجازها المليار دولار، مثل محطة الفضاء الدولية التي كلفت اثني عشر مليار دولار أو المسرّع الفائق للتوصيل الذي كلّف سبعة مليارات دولار، وأخيراً مشروع الجينوم البشري الذي كلّف ثلاثة مليارات دولار، وكذلك مفاهيم مثل تبسيط العلوم أو الثقافة التكنولوجية والأمن العلمي وغيرها.

ويعرّج المؤلف على عالم الإيكو، حيث يعني مقطع الإيكو مكان السكنى أو البيئة المحيطة، ولمّا ارتبط بالتنظيم والإدارة صار علم الاقتصاد، أمّا علم الإيكو، فهو علم البيئة التي نعيش عليها.

ولا ينسى الكاتب أن يفرد فصلاً عن الدين والعلم ويقدّم الإشكالية عن علاقة الدين بالعلم؛ تلك الإشكالية التي نظلّ ندور حولها نحن المسلمين، معتبراً أنّها قضيّة تستحق الحسم، وأنّ الإسلام دين المستقبل، ولو على المستوى الديمغرافي؛ فالمسلمون كانوا يمثلون 18% من سكان العالم عام 1980م، وسيمثلون 31% عام 2025م، و43% عام 2125م، لذا يجدّد المؤلف دعوته لأبناء هذا المشروع الحضاري بالمشاركة الجادة في صنع مستقبل العالم والالتحام بكلِّ البشر دون خوف من العزلة أو الذوبان.

ويقول في الختام: "لقد سبق أن قدمت لكم "هويتي" بأنّني من عامة المسلمين ورغم أنني عند كلمتي تماماً، إلا أنني أود لو اعتبرتموني "مسلماً مستقبلياً"، وذلك أنّ الإيمان بأن (المستقبل للإسلام) لن يتأتى إلا إذا تعلّم المسلمون كيف يكونون مستقبليين".

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري