المسألة الأمازيغية في عهد حكومة الإسلاميين بالمغرب
عرفت المسألة الأمازيغية في عهد حكومة الإسلاميين بالمغرب نقاشاً كبيراً لاعتبارات متعدّدة. أوّل هذه الاعتبارات المكانة التي حظيت بها في دستور 2011، إذ تم الارتقاء بها إلى مرتبة لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. وثانيها، أنّ الجميع كان ينتظر تقديم مشروع القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلّق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية لحكومة يقودها حزب إسلامي. وثالثها أنّ هذه المسألة تشكل اختباراً حقيقياً للإرادة السياسية لحزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي حينها، في كيفية تعاطيه مع ورش الأمازيغية.
لعل هذه الاعتبارات وغيرها كانت لها أهميتها في أن تحظى المسألة الأمازيغية باهتمام ونقاش كبيرين من قبل الفاعلين السياسيين والحقوقيين، وخصوصاً المجتمع المدني الأمازيغي الذي منحته المستجدات الدستورية الهامة قوة أكثر، وزادت في تنشيط ديناميته، لكونه خرج منتصراً من معركة دستور 2011، لا سيما أنّ الحركة الأمازيغية كانت دائما تعتبر الحماية الدستورية والمؤسساتية مدخلاً أساسياً للنهوض بالأمازيغية وأخذ مكانتها في مؤسسات الدولة والمجتمع.
يُسجل المتّتبع والمراقب للشأن السياسي أنّ المصادقة على مشروع القانون التنظيمي رقم 16-26 تطلّبت ثماني سنوات. وقد يجد هذا الأمر تفسيره في طبيعة النص وقيمته القانونية وتراتبيته، حيث يأتي القانون التنظيمي في المرتبة الثانية بعد الدستور كمكمل ومفسّر لمقتضيات أسمى قانون بالمملكة، وكذلك لأهميته كإطار مرجعي في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. لكن هذه المدّة تعتبر فعلاً هدراً للزمن التشريعي والسياسي، والسبب في ذلك يعود إلى حكومة عبد الإله بنكيران التي لم تستغل ما أتاحه لها المشرع من هامش، وتضع هذه القضية ضمن أولوية أولوياتها.
من هذا المنطلق، يجب علينا أن نميّز في الحديث عن حكومة الإسلاميين بين حكومة عبد الإله بنكيران وحكومة سعد الدين العثماني في تعاطيهما مع ورش الأمازيغية.
لم تعط حكومة بنكيران أيّ اهتمام للمسألة الأمازيغية، بمعنى لم تضعها ضمن أولوياتها الحكومية
لم تعط الأولى (أي حكومة بنكيران) أيّ اهتمام للمسألة الأمازيغية، بمعنى لم تضعها ضمن أولوياتها الحكومية. وما كان يصدر بين الفينة والأخرى من تصريحات لزعيم حزب العدالة والتنمية كان هدفه تهدئة غضب الحركة الأمازيغية والتخفيف من سهام نقدها له، هو المعروف بمواقفه المتحفظة جداً، حتى لا أقول العدائية، من المسألة الأمازيغية.
وهذا ما يجد تفسيره في كون ولايته الحكومية كانت فارغة، ولم تقم بأيّ شيء يذكر في هذا الإطار، علماً أنّ الأمازيغية انتقلت من سؤال الشرعية إلى سؤال مرتبط بالتنزيل و"الأجرأة"، هذا رغم كون حزب العدالة والتنمية أصبح جزءاً من الدولة، والأمازيغية أصبحت ضمن الورش الإصلاحية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس.
لقد أثار تعثّر تنزيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور غضب المجتمع المدني الأمازيغي، بل والأكثر، خروج عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي وصف هذا التعثر بـ"غير العادي"، لأنّ القانونيْن التنظيميين تمّ التصريح بهما في البرنامج الحكومي لسنة 2012، وتمّ تصنيفُهما ضمن القوانين التنظيمية المُهيكلة، كما اتُهم حزب العدالة والتنمية بعرقلة النهوض بالأمازيغية، منتقداً تصريحات زعيمه المستفزة، التي تعتبر كلّ ما له صلة قانونية وتشريعية بالأمازيغية هو شيء مزعج! ملوّحاً بإمكانية طرق باب أعلى سلطة في البلاد.
أما الثانية (أي حكومة سعد الدين العثماني)، فهي نسخة مختلفة جداً في تعاطيها مع ورش الأمازيغية مقارنة بحكومة عبد الإله بنكيران، ذلك أنّ هذه المسألة كانت حاضرة ضمن أولوية الأولويات، ربما للاهتمام الكبير الذي كان يوليه "ابن منطقة سوس" للأمازيغية والعلاقات الجيدة التي كانت تجمعه ببعض مكوّنات الحركة الأمازيغية، وربما أيضاً لأصوله الأمازيغية وحضوره الدائم وانخراطه في النقاش العمومي حول هذا الموضوع، وكذلك لمقاربته المختلفة، بل والمتقدّمة جداً عن مقاربة بنكيران، والتي عكسها الخلاف بين الطرفين في محطة الإعداد لدستور 2011، بين من كان يطالب بترسيم اللغة الأمازيغية ومن كان يطالب بالاكتفاء بطابعها الوطني، كما لو أنها لغة وافدة على بلاد المغرب.
يُعاب على الحركة الأمازيغية أنها لم تدعم سعد الدين العثماني إبان قيادته للحكومة، رغم كلّ ما قام به من مجهود غير مسبوق لصالح ورش الأمازيغية
نسرد هذه الجوانب المضيئة في شخصية ومنظور سعد الدين العثماني، رغم أنّ البعض يرى أنّ أيديولوجية الحركة الإسلامية تبقى هي المحدّد الأساسي وتتغلّب على الانتماء المجالي أو العرقي.
يسجل المتتبع في هذا السياق أنه في عهد حكومة العثماني تمّت المصادقة على القانون التنظيمي رقم 16-26، ثم عقد اجتماع للجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذلك تمّ وضع المخطط الحكومي المندمج المتضمن لكيفيات تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وتمّ إصدار منشور يدعو القطاعات الحكومية والمؤسسات الدستورية إلى موافاته بمخططاتها القطاعية، وتمّ تبني مقاربة إشراك المجتمع المدني في تدبير ملف الأمازيغية، وتمّ الشروع في تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي المشار إليه، وكذلك تعديل المرسوم المحدّث لجائزة المغرب للكتاب بتاريخ 14 مارس 2018، بتوسيع أصنافها لتشمل، ولأول مرة، جائزة المغرب التشجيعية للإبداع الأدبي الأمازيغي وجائزة المغرب التشجيعية في الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية، وغير ذلك من الإجراءات الهامة التي تحسب لحكومته.
إنّ حصيلة عمل حكومة العثماني تبقى محترمة في تعاطيها مع المسألة الأمازيغية، ونقول هذه الحقيقة للتاريخ بالرغم من كوننا نختلف كثيراً مع الطبيب النفساني على مستوى المرجعية الفكرية، وكذلك في مقاربته السياسية لهذه المسألة.
لقد استطاع سعد الدين العثماني، لإيمانه القوي وتملكه للقضية الأمازيغية وانفتاحه على كافة الحساسيات، أن يضع الإطار المؤسساتي لقطار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. وهكذا وجدت حكومة عزيز أخنوش الحالية أرضية معبّدة قصد التسريع في عملية تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 16-26، من خلال رؤية استراتيجية ومخطّط حكومي مندمج كإطار عملي للاشتغال بهدف ترجمة مضامين القانونين المتضمنين في الفصل الخامس من الدستور على أرض الواقع.
إنّ ما يُعاب على الحركة الأمازيغية أنها لم تدعم سعد الدين العثماني إبان قيادته الحكومة، رغم كلّ ما قام به من مجهود غير مسبوق لصالح ورش الأمازيغية، وذلك لاعتبارات أيديولوجية وسياسية، ورغم أنّ الجميع يعرف مصداقيته ويدرك إيمانه القوي بالقضية الأمازيغية. ذلك أنّه منذ البداية رفع شعار المقاربة التشاركية، ومدّ يده لكلّ الفاعلين المؤمنين بعدالة وشرعية المطالب الأمازيغية لتدبير هذا الملف الشائك والحسّاس.