المغرب: انتخابات في سياق سلطوي
تُجرى الانتخابات التشريعية والجماعية المغربية يوم الثامن من سبتمبر/ أيلول المقبل، في ظلّ سياق سلطوي موسوم بانتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على المعارضة والصحافيين المستقلين.
تُعتبر هذه الانتخابات هي الثالثة من نوعها بعد إقرار دستور 2011 وصعود حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة -وليس الحُكْم- على مدى العشر سنوات الماضية. وهو (الحزب) الذي فشل في مقارعة الاستبداد، أو حتى "تهذيبه" والحد من سطوته، بل صار منافحًا عنه ومبررًا لانتهاكاته التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
تَعامل النظام المغربي بذكاء وهدوء مع موجة الربيع العربي إلى غاية أفول حركة 20 فبراير، وهو الذي يجيد لُعبة تقديم "التنازلات" اللحظية التي لا تؤدّي إلى تعميق الإصلاح بقدر ما تهدف إلى التراجع عنه في أوّل فرصة سانحة، وهو ما عبّر عنه عالم السياسة بجامعة برينستون جون واتربوري في تمهيده لكتاب "20 فبراير"، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالقول: "إنّ الانتقال الديمقراطي في المغرب لا يمضي قُدمًا، ولكن في حلقات مفرغة"، أي أنّ عملية الانتقال نحو الديمقراطية تدور في "حلقات دائرية تطارد ذيولها" منذ صدور أوّل دستور للمغرب في عام 1962 وإلى الآن.
مع إخفاق تجربة العدالة والتنمية وقبلها تجربة التناوب التوافقي بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أصبح خيار مقاطعة الانتخابات يلقي بظلاله على شرائح واسعة من المجتمع المغربي
إنّ عملية التراجع عن "إصلاحات" 2011 المحدودة، والتي لم ترقَ إلى مطالب الشارع وآماله، قد تمَّت بشكل تدريجي طوال السنوات الماضية، في ظلّ مُباركة حزب العدالة والتنمية وباقي القوى المشاركة في المشهد السياسي الرسمي، لتنتهي بقمع حراك الريف والحكم بالسجن النافذ لمدة 20 عامًا على زعيمه ناصر الزفزافي، الشاب الذي شارك في تنظيم مظاهرات حركة 20 فبراير في عام 2011، والذي انتفض مع أبناء منطقته بالريف (أقصى شمال المغرب) ضد الظلم والحُكْرَة وامتهان كرامة الإنسان، حين تمّ طحن محسن فكري (31 سنة)، حتى الوفاة في شاحنة أزبال إلى جانب بضاعته التي أتلفتها السلطات، إذ تمّ تشغيل آلة الطحن بالشاحنة بالرغم من وجود فكري بداخلها، ليلقى حتفه، وهو الأمر الذي أشعل فتيل غضب الساكنة ومعها المغرب ككلّ.
بعد قمع حراك الريف وتخوين المشاركين فيه، توالت الاعتقالات والمحاكمات التي طاولت المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين المستقلين، إذ ولأوّل مرة في تاريخ المغرب المعاصر سيتمّ الحكم على صحافي معروف بانتقاده للسلطوية بـالسجن النافذ لمدة 15 سنة، وهو توفيق بوعشرين، مدير صحيفة "أخبار اليوم" المستقلة، التي اختفت من الوجود بعد اعتقال الأخير واعتقال رئيس تحريرها الصحافي سليمان الريسوني، الذي خاض إضرابًا عن الطعام دام 126 يومًا احتجاجًا على اعتقاله التعسفي غير القانوني.
وقد تنامى انتشار "إعلام" التشهير الموالي للسلطة وعرف انتعاشًا غير مسبوق في المدة الأخيرة، وهو الذي يسعى إلى شنّ "حرب نفسية" على المستهدفين من صحافيين وحقوقيين وسياسيين، من خلال نشر تفاصيل غير صحيحة أو محوّرة من أحداث مستلهمة من الواقع عن حياتهم الخاصة بهدف تشويه سمعتهم لدى الرأي العام. وهو الأمر الذي أدّى بحوالي مائة صحافي وصحافية إلى توقيع عريضة تُطالب السلطات بوضع حد لهذه الصحف والمواقع التي أصبحت تضع نفسها "مكان سلطة الاتهام بحيث لا تتوانى في توجيه التهم بالعمالة والتجسس"، في ظلّ غياب أيّ تحرّك فعلي من لدن المجلس الوطني للصحافة والنقابة الوطنية للصحافيين.
ومع إخفاق تجربة العدالة والتنمية وقبلها تجربة التناوب التوافقي بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أصبح خيار مقاطعة الانتخابات يلقي بظلاله على شرائح واسعة من المجتمع المغربي، خصوصًا وسط الشباب، نظرًا لخيبات الأمل اللامتناهية وفشل نظرية "الإصلاح من الدّاخل".