المكتبات التي أقتني منها الكتب
يسألني العديد من الأصدقاء من أين أقتني الكتب وكيف؟ وهنا إجابتي لكلّ من يود أن يقتني كتابًا ويكوّن مكتبةً شبيهة بمكتبتي.
أولًا، مكتبة باب الرحبة: ليست مكتبة ذات واجهات زجاجية كما قد تتصوّر، بل هي سوق للمتلاشيات (القديمة والمستعملة) والفرّاشة (باعة يفترشون الأرض) عند نهاية منطقة السويقة في العاصمة الرباط، يُطل (السوق) على مصب نهر أبي رقراق في المحيط الأطلسي. زقاقٌ طويلٌ يملكه النباشون، ويبيعون فيه سلعهم التي نبشوها في الليل من قمامة حي أكدال وحي الرياض وبئر قاسم وحي الأميرات إلخ..
أنهي جولتي عبر السويقة، ثم أعرّج على باب الرحبة، عاقدًا يديّ خلف ظهري كسمسار العقارات العجوز. أجد في كلّ مرّة كتابًا ثمينًا مقابل ثلاثة دراهم فقط. أحمل الكتاب وأتفقده كصائد التحف، ثمّ أقدّم للبائع خمسة دراهم كاملة دون أن أنتظر الباقي. عشرات الكتب النادرة والغريبة اشتريتها من مكتبة باب الرحبة هذه.
ثانيًا، مكتبة العكاري: أو جوطية (سوق) العكاري. لا تعتقد أنّها مكتبة كباقي المكتبات أيضًا، فهي أيضًا سوق لبيع الأثاث القديم المتهالك وشرائه. الكتب (أيضًا وطبعًا) تعدّ جزءًا لا يتجزأ من الأثاث. ذات مرّة اشتريت كرتونة كاملة من الكتب مقابل مائة درهم، وجدتها مليئة بكتبِ الفلسفة، وبمجلات قديمة لم تعد تصدر. تعرفت عبر تلك الكرتونة لأوّل مرّة على إميل سيوران.
الكتب حلال دائمًا، حتى إن سُرقت من واجهات المكتبات
ثالثًا، مكتبة سوق اللصوص (أو جوطية الشفارة (اللصوص) كما يطلق عليها محليًّا). ومن اسمها يبدو واضحًا أنك لن تتخيّل أنها مكتبة تصل إليها إصدارات العام الجديد، وما تبقى من معارض الكتاب، بل دون شك لقد استنتجت (ودون أن أساعدك على ذلك) أنّها سوق تباع فيه المسروقات، مسروقات من كلّ صنف ونوع: دراجة هوائية، هاتف، سروال، دجاجة، ساعة يدوية، مذياع سيارة، طنجرة مليئة باللحم والبرقوق والمرق ساخنة ومغلقة إلخ..، وطبعًا الكتب.
جوطية (سوق) اللصوص هذه عند تقاطع حي التقدّم مع حي المعاضيد مع حي بيزنطة. مكان استراتيجي للسلع المسروقة والكتب الممنوعة. أتجوّل داخلها حذرًا، ومتفاديًا السلع المسروقة، باحثًا فقط عن الكتب. الكتب حلال دائمًا، حتى إن سُرقت من واجهات المكتبات. أجد ضالتي دائمًا، مقابل دراهم بخسة، أو مقابل بعض السجائر فقط. ومع الوقت أصبح لي هناك صديق لص يعدني بدزينة كتب على رأس كلّ شهر.
وبفضل هذه المكتبات التي تحدثت عنها أعلاه، أصبحت أملك مكتبة كبيرة، غير مصنّفة، بحيث من الصعب أن تجد علاقة تربط كتابًا بالآخر. كتب حين يقرؤها المرء يصبح رأسه شبيهًا تمامًا بأسواق المتلاشيات والفراشة والأثاث القديم المتهالك والمنازل المسروقة.