المواطن السوداني الحائر بين سنوات البشير وصفوف الثورة
في حوار دار بيني وبين صديق سوداني ثائر في الذكرى الأولى للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، سألته يومها إن كان قد ندم على تلك اللحظات الفارقة في تاريخ السوداني الحديث، واخترت أن أنقل إجابته التي تعبر عن حال شباب سودانيين كثر ممن جمعهم الميدان والشارع وهتافات الثورة:
كانت لدينا آمال وأحلام كبيرة دفعتنا للخروج في تظاهرات شعبية واسعة انتهت بسقوط البشير ومن معه من أعضاء الحزب الحاكم أو ما يطلق عليهم مصطلح "الكيزان" في أبريل/نيسان من العام 2019، لقد أردنا عيش حياة كريمة في بلد يحترم حقوق الإنسان والديمقراطية والأهم من كل شيء انتفضنا من أجل تحسين مستوى المعيشة ورفع الرواتب وتخفيض الأسعار.
لكن ومع الأسف بدلاً عن ذلك لم نحصل حتى الآن سوى إلا على ارتفاع جنوني بأسعار الخدمات الرئيسية كالمواصلات والكهرباء والماء، ناهيك عن زيادة جديدة متعلقة بساعات الوقوف في صفوف الخبز والبنزين، كما وحصلنا على زيادة في ساعات تقنين الكهرباء.
بادرت صديقي الثائر بسؤال: من يتحمل المسؤولية الأكبر عما آلت إليه الأوضاع بالسودان؟
كانت نبرة صديقي السوداني الثائر حزينة جدا وهو يسرد ما آلت إليه الأوضاع في بلاده بعد أكثر من عام ونصف من الإطاحة بنظام البشير
فأجاب: كان بعض الوزراء يعتبرون أن انتظارنا لساعات طويلة أمام محطات الوقود والأفران هي بمثابة رحلة ترفيهية، بيد أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. أجل لقد كان الوزراء والمسؤولون يرون أن تجمعنا في فترة جائحة كورونا أمام أماكن الخبز والوقود والغاز هو أمر مسل وكأننا نتعارف أو نتمشى فرحين.
المواطن بات يعاني الأمرّين بسبب إجباره على ترك عمله ودراسته من أجل قضاء عدة ساعات في صفوف وطوابير الانتظار لتأمين لقمة العيش أو بعض الوقود للسيارة لمن يملكها، وهذا طبعاً يؤثر سلباً على قدرة المواطن على العمل أو الدراسة.
من الواضح أن طول الصفوف أمام المخابز ومحطات الوقود والغاز يتناسب طرداً مع عدم أهلية المسؤولين والوزراء الذين تسببت قراراتهم وسياساتهم بتشكل مثل هذه الطوابير والصفوف أساساً.
وبالتالي فمجموع هذه الصفوف في السودان كاملاً تتناسب طرداً مع درجة فشل الحكومة الانتقالية ككل في حل المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد السوداني. ومن الملاحظ أيضا هو أن هذا الفشل قد يكون مقصوداً ومخططا له مسبقاً، وذلك من أجل القيام بطعن الثورة في ظهرها عن طريق جعل الأمور تزداد سوءاً وجعل الإخوة المواطنين يترحمون على البشير ونظامه. أي أن المواطن يضطر إلى أن يقوم بإجراء مقارنات في عقله بين حالة الأمور الاقتصادية خلال حقبة البشير وبين الوضع الآن.
حتى الخبز والذي هو مادة أساسية للعيش والغذاء ارتفع سعره من جنيهين الى 5 جنيهات، أما كيلو غرام الدجاج فقد ارتفع من 125 إلى 800 جنيه حالياً أو أكثر حتى.
سعر البنزين أيضا ارتفع من 28 جنيها للتر الواحد إلى 380 جنيها للتر الواحد حالياً. السكر وهو مادة هامة للشاي والقهوة ارتفع سعره 10 أضعاف وأصبح سعره يصل الى 500 جنيه للكيلوغرام الواحد، وأما الغاز فقد ارتفعت تكلفته بالنسبة للمواطن البسيط من 125 الى 600 جنيه.
فنحن نتذكر كيف أننا لم نكن ننتظر في طوابير طويلة أمام المخابز للحصول على قطعة من الخبز أو أمام محطات الوقود من أجل شراء البنزين في عهد المخلوع البشير، أما الآن فبات هذا من الهوايات اليومية للمواطنين.
الثوار وشباب الميدان ليس من يتحمل المسؤولية بل الوزراء والمسؤولون الذين تسببوا بتشكل هذه الطوابير، وهم من يستحقون إطلاق لقب الكيزان الجدد عليهم. رغم وعود الحكومة المتكررة بأن هذه الإجراءات سوف يكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد السوداني على المدى المتوسط، فالأحوال على أرض الواقع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
كانت نبرة صديقي السوداني الثائر حزينة جدا وهو يسرد ما آلت إليه الأوضاع في بلاده بعد أكثر من عام ونصف من الإطاحة بنظام البشير، على أمل أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية في السودان، وأن يسلك الشباب والثورة طريقهم إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.