الوعي البيئي في أدب إبراهيم الكوني
"كل شيء في الصحراء يتألم ويفرح، حتى الأرض الخرساء، حتى الحجارة، حتى ذرات الرمل".
(إبراهيم الكوني)
يعمل العديد من مبدعي عصرنا الذين يملكون وعياً بيئياً على محاولة إيقاظنا من سباتنا وجعلنا نرى ما لا نريد، أو بالأحرى ما نعجز عن رؤيته، أي في رؤية مدى تأثير أفعالنا غير المسؤولة في الحياة المحيطة بنا.
من بين هؤلاء المبدعين، الروائي الليبي إبراهيم الكوني، حيث تدور جلّ أعماله حول البيئة الصحراوية الهشّة، فضلاً عن التهديدات المتزايدة لوجودها، لتصبح هذه الأعمال، وكأنها صرخة بيئية ضد التخريب المنظم والمقنّن الذي تتعرّض له الصحراء، صرخة ضد الصيد الجائر، ضد الإبادة، ضد النزعة الاستهلاكية، ضد استنزاف الأرض، ضد نمط جديد في العيش، يقوم على أنقاض نمط قديم كان يقدّس الأرض، نمط جديد مرتبط بالاستعمار مثلما يرى الكوني، لأنّه حيثما حلّ الاستعمار، يحلّ الخراب في الأرض، وتختل أشكال التعايش التقليدية فيها.
ولأنّ البيئة عند الإنسان التقليدي، تحتل مكانة كبيرة، فالأرض عنده ليست مجرّد أرض، إنها كيان مقدس، وانتهاك هذا الكيان، بأيّ صورة من الصور، ضرب من الخطيئة. كان الانسان التقليدي يشعر بأنّ من واجبه حماية الصحراء ومخلوقاتها، وعندما يصطاد بعض هذه المخلوقات، فإنه يصطادها مُكرهاً، وذلك فقط ليسدّ حاجته من الغداء ويبقى على قيد الحياة.
أدب إبراهيم الكوني صرخة ضد الصيد الجائر، ضد الإبادة، ضد النزعة الاستهلاكية، ضد استنزاف الأرض
لكن مع الغزو الاستعماري (كما يقول الكوني)، تغيّرت هذه العلاقة، وحدث نوع من الانفصال في علاقة الصحراوي مع صحرائه، حيث نُزعت تلك القدسية وتغلغلت روح المنفعة في كلّ شيء.
لقد تمكن الاستعمار عبر آلياته وأدواته الكثيرة، من نشر أفكاره المدمرة والأنانية، وتمكن أيضاً من فرض ثقافته في معاملة الطبيعة كغنيمة، وجلب معه التكنولوجيا التي سهلت عملية استغلال الأرض واستنزافها.
لهذا، إن الروائي الكوني يقرع أجراس الخطر أولاً، كنوع من التحذير "لما يمكن أن يحل بالعالم إذا استمر في عمائه وفي استهانته بوحدة الكائنات هذه (...) لأن الدرس يقول إنّ الإخلال بوحدة الكائنات إخلال بناموس الكون. وإبادة الأنواع الحيوانية أو النباتية تمهيد لإبادة الأجناس الإنسانية أيضاً. لأن الناموس الذي يحكم هذا الكون رديف للناموس الذي يحكم البدن الإنساني: الجرثومة التي تصيب فيه عضواً هي ورم كفيل بتدمير البدن كله!". وهو ثانياً يرفع وعينا البيئي، إذ يخرج القارئ من أعماله أكثر وعياً وتقديساً للمكان والطبيعة.
وكما تعلمون جيداً، حينما يكسب المرء وعياً، فهذا يعني أنه سيتبعه تغيير على مستوى السلوك، وهنا يتجلّى دور الأدب ووظيفته الخالدة في تغيير نظرة الناس نحو العالم الذي يعيشون فيه.