الولد الصغير تارك التدخين
قال أبو ماهر: بظن إنه في سبب تاني للتدخين في هادا السن.. وهوي إنه طالب المرحلة الإعدادية والثانوية بيكون دخل في سن المراهقة، وصار عنده شوية شجاعة، وممكن يكون التدخين نوعْ من التعبيرْ عن هالشجاعة.
قال أبو الجود: صح. صار عندنا شوية شجاعة بس بقينا خايفين من المعلمين والإداريين. ومتلما بيقولوا الأدباء (وَقَعْنَا بينَ نارَيْن). يعني إذا منخبي السجاير في المقبرة بينزل عليها المطر وبتسترطب وبتصير غير صالحة للاشتعال، وإذا دَخَّلْنَاها معنا ع الصف، ما حدا بيعرف أيمتْ بتجي الكَبْسة ومنعلق في براثنْ المديرْ والموجه وأمين السر وباقي الأساتذة.
قال أبو جهاد هازئاً: ما في قدامك حل يا أبو الجود غير إنك تشكيهم لوالدك. قلَّه يا أبي هدول في المدرسة ما عم يخلوني دَخّن على راحتي، وكلما شَعَّلْتْ سيجارة وكنت على وشك طالع الدخنة من مناخيري بيجوا الإداريين وبينغصُوني.. بركي والدك بيرفع عليهم دعوى وبيخلي القاضي ياخدهم ع السجن.
قال الأستاذ مجيد منسجماً مع جو المزاح والتنكيت (بالفصحى): يدخلونَ السجنَ بتهمة تعكيرِ صفوِ الإخوةِ المدخنين!
قال أبو إبراهيم: الطالبْ رغمْ دخولُه في سن الشباب والعنفوان بيبقى خايف من المدرسة ومن أهله، فإذا أهلُه كمشوا معه أي شي بيدل على إنه عمْ يدخن، أو شافوا بين أصابيعه السبابة والوسطى اصفرارْ، أو شموا ريحة التبغ من فمه ما راح يكتفوا بتوبيخه وتقريعه، أو البصاق في وجهه، وراح يكون جزاه الضرب المبرح، وبعض الأهالي بيقيدوا رجلين ابنهم ليمنعوه من مغادرة البيت، أو بيحرموه من المصروف. والمعلمين والطاقم الإداري بتلاقيهم متشددين أكتر من الأهل في هذا المضمار، وبيعملوا جولات ع الصفوف والباحات والمراحيض أثناء الفرص، واللي بيضبطوه وهوي عم يدخن أكيد راح ينزل عليه غضب الله!
قال أبو الجود: أنا بدي إتشكر أبو إبراهيم لأنه عطاكم فكرة عن الموضوع، وخلاني إحكي القصة تبعي ع الرواق.
قال أبو جهاد: هه هه. يعني كمان بدك رواق؟!
قال كمال: لا يا أبو جهاد. هاي ما حبيتها منك. طبعاً اللي بيحكي قصة أو حكاية بده رواق. بتصدقوا؟ أنا ما فيني إكتب قصة أو مقالة إذا ما كنت مْرَوّقْ ع الآخر ومعنوياتي فوق الريح..
قال أبو الجود: روق أستاذ كمال. كلام أبو جهاد متل الحبة السودة اللي بيحطوها في الخبز. إذا انوجدت أو غابت ما حدا بينتبه إلها. المهم. لما كنا في الصف التاسعْ قررت إدارة المدرسة توسع المبنى، فعمروا شي عشر غرف، وسقفوها، وتركوها فترة طويلة بهالوضع، يعني من دون إكساءْ. ونحن الطلاب المدخنين لقينا هالوضع بالنسبة إلنا مثالي، يعني بدل ما نخبي السجاير في المقبرة، منخبيهن بشي قرنة ضمن هالأبنية المسقوفة، وبالفرصة بيجوا المدخنين من مختلف الصفوف وبيوقفوا ضمن هالغرف وبيدخنوا. وفي يوم من الأيام أجانا تفتيش إداري (كَبْسة)، وطلبوا من الجميع يرفعوا إيديهم لفوق، وساقونا متل الأسرى إلى غرفة المدير. وفي مكتب المدير بلش التحقيق والاستجواب، وكان التحقيق يترافق مع نَهْرْ وضَرْبْ ونَكْشْ في الراس، وإذا الطالب ما اعترف كانوا يرفعوه فلقة متل المخابرات. ولحد هون كان الوضع طبيعي.
قال الأستاذ مجيد: الله ياسمحك يا أبو الجود. عملوا غرفة الإدارة متل قبو المخابرات وبتقول وضع طبيعي.
قال أبو الجود: طبيعي، قصدي إنه ما فيه شي غريب أو شي بيضحك. الحقيقة كان في شغلتين ظراف ضمن هالعملية.. كان فيه طالب اسمه محمود. أمين السر كلما طلب من محمود يدفع للمدرسة تلات ليرات مقابل الاشتراك في النشاط المدرسي، كان يقله: والله يا أستاذ أبوي فقير وأنا فقير ما معنا مصاري. ولما فتشوه وجدوا في جيبه علبة دخان (KENT) أميركي.. وبوقتها الموجه صار يضرب حاله كفوف ويقول: تعوا شوفوا هالطالب الفقير. فقير وبيدخن (KENT) وهادا كان أغلى أنواع الدخان في هديكة الأيام! الشغلة التانية كان في بين الطلاب اللي ضبطوهم عم يدخنوا طالب صف سابع، عمرو 13 سنة تقريباً، وحجمه صغير، وصوته رفيع، وبعده مو طالع في وجهه شعر.. المدير مسكه من إدنه وقال له: وأنت كمان يا شبر الأرض.. عم تدخن؟ يا ترى مين أطول من التاني، إنته ولا السيجارة؟ هاد الولد رد ع المدير ببرود أعصابْ وقال له: يا أستاذ إنته غلطان، أنا ما بدخن، وإنتوا جبتوني لهون بالغلط. قال المدير: لا تكذب ولاك، كنت عم تدخن. فرد عليه الولد ببرود أعصاب أكبر وقال له:
- يا أستاذ أنا ما كنت عم دخن. الله وكيلك صار لي أربع سنين تارك التدخين!