انتهت المسرحية... بإمكانكم فتح عيونكم الآن
إنْ أردت أن تفوز على عدوّك، كلّ ما عليك فعله هو أن تتعلّم كيف تقلب وتحوّل فوهة مسدّسه نحوه. وهذا ما فعلته المقاومة الفلسطينية مع إسرائيل، في الساحة الإعلامية العالمية. وهذا السلاح الفتّاك لطالما استغلته الحركة الصهيونية ورقةً رابحة، تُلقي بها في كلّ مرّةٍ من أجل شرعنة وجودها وإقامة دولتها على الأراضي الفلسطينيّة.
استغلت الحركة الصهيونية المحرقة في الحرب العالمية الثانية ومعاناة اليهود وآلامهم لكسب تعاطف العالم وترسيخ عقدة الذنب في المجتمع الدولي، وباعتبار أنّ البشريّة ما بعد الحرب كانت لا تزال تحاول تنظيف يديها من الدماء واستعادة إنسانيّتها المفقودة. وهنا كانت مسألة جمع شتات اليهود وإنشاء وطن قومي لهم على أرض فلسطين بمثابة الماء المطهِّر لإثم البشرية، وخاصة ما اقترفه هتلر في حقّ يهود العالم من إبادةٍ وتطهيرٍ عرقي وعنصرية.
وطبعا لسنا ننكر الأهوال التي عاشها اليهود وجرائم الإنسانيّة المُرتكبة في حقّهم، إلا أنّ هنالك من استغل هذه الأهوال والآلام لمصالح سياسية وأيديولوجية، أفرزت في النهاية دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين. ومنذ تأسيسها هدأ صوت "ضمير البشرية"، بعد أن وجد اليهود موطأ قدمٍ لهم في فلسطين المحتلة.
وطبعا نستثني من البشرية الشعوب العربيّة التي آمنت بحقِّ الفلسطينيين في أرضهم منذ البداية، لكنّها شيئًا فشيئًا، أصبحت تعتاد الوضع، وأصبحت مشاهد القصف والدمار جزء من صحفها وموجز ساعاتها.
لكن أرضيّة التاريخ متحرّكة غير أمنة، إذ يمكن أن يتغيّر كلّ شيءٍ، وإلى الأبد في لحظةٍ واحدة.
نقطة التحوّل والحرب الإلكترونية
إنّ ما حصل في صباح السابع من أكتوبر مثّل نقطةَ تحوّلٍ تاريخيّةٍ في مسار القضيّة الفلسطينيّة والتمثيليّة الصهيونيّة، إذ أيقظ هذا في نفس العربي الذي عانى مرارة الهزيمة لسنوات، أملًا جديدًا، وبات يشعر بأنّ تحرّر فلسطين حلم طوباوي لا يصعب تحقّقه.
طبعًا كلّ من يقرأ هذا المقال يعلم جيّدًا ما حصل في السابع من أكتوبر، لكن ما يهمنا هنا هو ما خلّفه هذا اليوم. فإلى جانب النجاح العسكري، نجحت المقاومة في كسب أهم معركة، وهي المعركة الإعلامية، حيث انتَزعت من يد إسرائيل تلك الورقة الرابحة وسلاحها الفتّاك.
أرضيّة التاريخ متحرّكة غير أمنة، إذ يمكن أن يتغيّر كلّ شيءٍ، وإلى الأبد في لحظةٍ واحدة
وأمّا في ما يخص التعاطف مع الشعب الفلسطيني، فينبغي أن نشير إلى أنّ ما جرى ليس إلا نزع الضمّادات عن جروح الشعب الفلسطيني حتى يراها العالم لأوّل مرّة بعد سنين عدّة من التهجير والتدمير والإبادة والحصار.
ولا يمكن نفي جهود الصحافة الحربيّة في غزّة ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي اللذين نشروا المحتوى الفلسطيني، وكذلك الدور الفعّال لمشاهير العالم في التوعية بهذه القضيّة التي لا يتطلّب الايمان بها سوى القليل من الإنسانيّة.
كما لم تستطع مواقع التواصل الاجتماعي حصار المحتوى الفلسطيني ومنع التدفق الهائل لمقاطع الفيديو والصور التي غزتها في دقائق معدودة. وبالتالي، فإنّ القريّة العالمية الصغيرة ساهمت في أن يعرف كلّ بيتٍ في هذه القريّة أنّ هنالك مجزرة تُقام في حقِّ شعبٍ يرزح تحت الاحتلال في القرن الواحد والعشرين.
نهاية المسرحية
واليوم، عادت وطفت عقدة الذنب على السطح من جديد؛ ذنب تصديق شعوب العالم للمسرحيّة الصهيونيّة التي دفع ثمنها الشعب الفلسطيني لسنوات، كان الأمر أشبه بأن تتوسّط لشخص كنت تظنه طيّبًا من أجل استئجار بيت لتكتشف في النهاية أنّ هذا الشخص مجرّد لصٍّ. يا له من أمرِ محرج!
وفي النهاية يمكن القول، إنّ الدعاية التي قامت عليها إسرائيل قد أفلست منذ السابع من أكتوبر وتعرّت حقيقتها أمام شعوب العالم، وآية ذلك ما نشهده من مسيراتٍ كبرى في العواصم الغربيّة تنادي بحقِّ الفلسطينيين في أرضهم وتطالب بوقف العدوان عليهم، لتكتب السطور الأخيرة للمسرحيّة الصهيونيّة بحبر تلك اللافتات.
ولا يمكننا الانتهاء من دون أن نتساءل: هل تَعرية حقيقة إسرائيل أمام العالم كاف لاستقلال فلسطين؟ وهل العالم اليوم هو حقًا عالم الحقوق والحريّات أم أنّه لا يزال عالم الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ وأليس من سنّة التاريخ أنّ الوعي بداية التحرّر، وأنّ الشعب الذي يقاتل من أجل استقلاله يناله يومًا ما؟
لعلّ هذا اليوم بات قريبًا لفلسطين.