بلا طحين
لحسن ملواني
في مقهى جلست على مقعد. أمامي كأس قهوة بلا سكر. أتامل هذا السيل الجارف من الناس يعبرون الطريق، يذهبون، يؤوبون. البعض مسمر العينين في محموله. البعض يتحدث مع مجهول عبر سماعة بأذنه. نساء يستعرضن زينتهن. أطفال يتبعون آباء وأمهات. سيارات تقف، تحاذر، تتوقف، ثم تواصل الطريق. لا أحد ينظر في ساعته، الوقت يمر، دعه يمر، إنه يأتي كي يمر. الوقت نهر يجري فلا يأبه باهتمامنا به أو إهمالنا وجوده، من شاء يسقي حقله، ومن شاء غسل بدنه، ومن شاء تجاهله.
في كل مكان أناس لا رابط بينهم، البعض يحلم بما لا يستطيع، البعض "بطَّل" أحلامه الكثيرة التي يراها من المستحيلات، البعض لا حلم له سوى أن يمر النهار كما مرت أيام وليال وشهور وأعوام.
في كل مكان رجال ونساء دأبهم الظفر بلذة ظرفية، تصير موضوع حديث يعتبره البعض شيقاً رغم كونه موضوعاً لا يستحق الإصغاء، ما دام ليس إنجازاً لما يمكن أن يتعدى مفعوله إلى الغير كي يصير إنسانياً يثنى عليه ويصير قاعدة جديدة ونموذجاً يحتذى به ويبنى عليه.
اتخذت المقهى منصة. واعتبرت محيطها ركحاً يكشف عن حركات ونوايا هذا السيل من البشر الذي يكرر نفسه ويكرر غيره دون بحث عن نموذج ملموس النفع، جليل الغاية.
على هذا الركح حركات لا خيط يربط بينها كي يوجهها إلى هدف إنساني يكتبه التاريخ للأجيال القادمة. حديث عن خيانات زوجية عادية، حديث عن نكت تبكي ولا تضحك إلا الجاهلين الذين لا يدركون من الأشياء عمقها. حديث عن جوائز وهمية نفاقية مجاملاتية بلا قاعدة تبريرية حقيقية، تجاهل لأخطاء تتكرر عشرات المرات.
على هذا الركح أسائل الناس، وأسائل نفسي:
ـ ما الجدوى من كل هذه الحركات؟
ـ ما الموقف الجاد الذي يمكن أن يفرزه ما يصدر من هؤلاء من أحداث عادية لا تتجاوز الحاجات البيولوجية التي توحد بين كل الكائنات الحية؟
ـ ما النافع من كل أعمالنا وأفعالنا اليومية، أليس من سبقونا أجرأ على الجواب عن هذا السؤال، فقد قدموا من العلم والتأملات والإبداع الشيء الكثير؟
على هذا الركح أعود لأسائل نفسي، هل ما نقوم به يؤرخ لمواقفنا الإنسانية النبيلة المفيدة لنا ولما يأتي بعدنا، أما أنه لا يعدو أن يكون سوى جعجعة بلا طحين.