تحديات تواجه مرشحي الانتخابات الرئاسية التركية
العد التنازلي للانتخابات التركية بدأ مع إعلان مرشح "تحالف الأمة" المعروف باسم "الطاولة السداسية" عن مرشحه الرئاسي رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، وأتى هذا الترشيح بعد صعوبات كبيرة كانت تقف أمام ترشيحه، بسبب اختلاف وجهات النظر بين أعضاء الطاولة، وخاصة رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، التي كانت تقول دائماً "نحن لا نريد مرشحاً بل نريد مرشحاً قادراً على الفوز". وفي النهاية، استطاع كلجدار أوغلو فرض رأيه على الجميع وعلى ميرال أكشنار التي انسحبت قرابة يوم واحد من الطاولة ثم عادت مرة أخرى، بسبب تدخل العديد من السياسيين، كان منهم رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، اللذان دعتهما ميرال لترشيح نفسيهما دون أن يستجيبا لها، معلنين لها وقوفهما بجانب رئيس حزبهم، بسبب حسابات داخل حزب الشعب الجمهوري.
أعتقد أن ميرال أكشنار كانت محقة عندما رفضت ترشيح أوغلو، لأنّ تاريخه حافل بالخسارات، فلقد خسر عشر انتخابات برلمانية وداخلية في حزب الشعب الجمهوري، كما أن الشعب التركي المحافظ لا يتقبله بسبب تاريخه المليء بهجومه على الحريات الدينية كالحجاب، وموقفه السلبي من تحويل "آيا صوفيا" من متحف إلى جامع. أما إذا أردنا التكلم عن فئة الشباب الذين يبلغ قوامهم حوالي 13 مليون شاب وشابة تركية، فلقد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بعد إعلان كلجدار أوغلو نفسه مرشحاً رئاسياً عن المعارضة التركية بسبب عمره الكبير الذي يتجاوز السبعين، ولا سيما أنهم كانوا يرغبون في رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي استطاع شدّ نظر الشباب التركي بسبب استخدامه الجيد لمواقع التواصل الاجتماعي التي تغزو عقول الشباب التركي كلّ يوم.
وبالإضافة إلى كلّ هذه الأسباب، يوجد سبب آخر، وهو مذهب كمال كلجدار أوغلو، فهو من المذهب العلوي، ونعلم أنّ الأغلبية في تركيا هي من المذهب السني، كما اتسم خطابه بالهجوم على كلّ الخطط التنموية التي قام بها حزب العدالة والتنمية من جسور ومطارات ومشافِ.
السيد كلجدار أوغلو يعلم نقاط ضعفه، ولكنه يراهن على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تركيا، ولا سيما بعد كارثة القرن، التي خلّفت العديد من الضحايا والخسائر الفادحة، لذلك هو يعتقد أن منافس أردوغان سينجح كائناً من كان، لهذا تجرّأ ورشح نفسه لأنه يريد استغلال غضب الناس الذين تأثروا بالزلازال، ويريد أيضاً استغلال ارتفاع الدولار أمام الليرة ومستوى التضخم المرتفع.
نستطيع أن نقول إنّ منافس أردوغان لن يكون كلجدار أوغلو بل الزلزال في المرتبة الأولى والاقتصاد في المرتبة الثانية، فضلاً عن أنّ الرجل ليس الوحيد الذي يواجه تحديات، فالرئيس الحالي رجب طيب أردوغان يواجه أيضاً العديد من التحديات، وأولها موضوع الزلزال، هذا الزلزال الذي ضرب عشر ولايات تركية قبيل انتخابات مصيرية، ليخلّف خسائر فادحة في المال والأرواح، حيث تجاوز عدد الضحايا الأربعين ألفاً، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى. وإذا أردنا أن نتكلم عن الفاتورة المالية لهذه الكارثة، فالتقارير تتكلم عن حوالي 80 مليار دولار، وهذا الرقم كبير جداً، لأننا نعلم أنّ تركيا دولة تعيش في منطقة متوترة، ولديها العديد من الملفات مثل ملف محاربة الإرهاب وملف محاربة التضخم وملف استقلال الصناعات الدفاعية، لهذا من الصعب جداً تخصيص 80 مليار دولار فقط لملف الزلزال في الوضع الحالي.
نتائج الانتخابات الرئاسية التركية ستغيّر ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط والعالم بسبب موقع تركيا الجغرافي والسياسي
والتحدي الثاني لأردوغان يتمثل بالاقتصاد، فمنذ سنوات تعمل حكومة العدالة والتنمية على خفض معدل الفائدة لكي تستطيع التغلب على التضخم حسب نظرية الرئيس التركي التي تقول إن "التضخم نتيجة والفائدة هي السبب". والتحدي الأخير، يتمثل بملف اللاجئين والتطبيع مع النظام في دمشق، حيث تراهن المعارضة على هذا الملف كثيراً، إذ قالت إنه إذا فازت بالانتخابات ستعيد اللاجئين السوريين بأقصى سرعة ممكنة، لذلك تعمل الحكومة التركية منذ شهور على هذا الموضوع مع روسيا، الدولة الحليفة للنظام السوري، ولكن العملية تسير ببطء شديد بسبب انعدام الثقة بين تركيا والنظام السوري من جهة واعتراض بعض الدول الإقليمية مثل إيران من جهة ثانية، فإيران لا ترغب في إنهاء الأزمة السورية لأن انتهاء الأزمة السورية يعني إنهاء الوجود الإيراني في سورية، وهذا أمر لن تقبل به إيران بعد أن بذلت الغالي والنفيس من أجل التغلغل في سورية جغرافياً واجتماعياً.
نتائج الانتخابات الرئاسية التركية ستغيّر ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط والعالم بسبب موقع تركيا الجغرافي والسياسي، فتركيا حاضرة في العديد من الملفات المهمة كملف نقل الحبوب الأوكرانية وملف اللاجئين وملف الطاقة، وغيرها أيضاً.