حرب غزة... هل تغطي على طموحات السيسي؟
قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، كانت الساحة المصرية تشهد مسرحية سياسية يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتمكينه من الاستمرار في حكم مصر حتى 2030 عبر ما أسماه "انتخابات رئاسية"، شارك في فصولها بعض السياسيين الذين يعلمون دورهم جيّداً، ويحفظون تصريحاتهم كما أُمليت عليهم تماماً، والبعض كان يشارك ويعتقد أنّ بمقدوره تغيير سيناريو الفصل الأخير من تلك المسرحية، والإطاحة بالزعيم الذي أقسم بعد الإطاحة بحكم الإخوان، أنّه لا يطمع في حكم البلاد!
كان البرلماني السابق أحمد الطنطاوي أحد القلائل الذين أعلنوا كراهيتهم للسيسي من قلب القاهرة، علماً أنّه لا وجود لمثل هؤلاء إلا في السجون أو في المنفى الاختياري، فالنظام لا يقبل بمجرّد "لايك" على بوست نشره معارض على وسائل التواصل الاجتماعي، كما السجون مليئة بمن منحوا الإعجاب لمقال أو منشور ينتقد الرئيس "المعصوم"، أو فريق عمله المصطفون الأخيار.
أعلن أحمد الطنطاوي ترّشحه لانتخابات الرئاسة، وسمح له النظام بذلك، إذ كان النظام في حاجة إلى شخص يتقن الدور دون توجيه، شخص يعتقد أنّه منافس حقيقي، حتى لا ينال من سمعة العملية الانتخابية ويجعل الغرب، الذي هو محلّ اهتمام السيسي، يصف الانتخابات بغير النزيهة.. عاد الطنطاوي وكوّن فريق عمل، وبدأت الدعوات تنتشر لجمع توكيلات تمكنه من تقديم ترشيحه للهيئة العليا للانتخابات، إلا أنّ الطريق لم يكن معبّدا.
هناك نقطة لا يقبل السيسي ورجاله المخلصين الوصول إليها، لأنّه لا يأمن مكر من حوله
سارت العملية كما أراد لها النظام الحاكم، ورغم بعض التصريحات القاسية التي كان يوّجهها الطنطاوي للسيسي، والاتهامات العلنية بالفشل والتسبّب في ضياع مقدرات البلاد، إلا أنّ الجهات المعنية كانت صابرة، فهي لا تريد أن تتدخل حتى لا تفسد الأداء الطبيعي الذي يُوحي بأنّ هناك ديمقراطية وتعدّدية حزبية في مصر... ولكن، وفي لحظة ما، ومع تنامي الدعم الشعبي للمرشح، شعر النظام بالخطر، وأيقن ضرورة التدخل والحدّ من إصدار التوكيلات التي تسمح للطنطاوي بدخول سباق الرئاسة.
قد تسألني: لماذا تتدخل أجهزة السيسي لتمنع تحرير التوكيلات، وهي تمسك بكلّ خيوط اللعبة، وفي مقدورها إطاحة الشخص في دقائق؟ الإجابة هنا لا تحتاج إلى تفكير، هناك نقطة لا يقبل السيسي ورجاله المخلصون الوصول إليها، لأنّه لا يأمن مكر من حوله، ففي دقائق، ربّما يرى صاحب القوة في أيّ جهاز سيادي أنّ القاعدة الجماهيرية للطنطاوي تسمح بالانقلاب على السيسي، كما حدث في 2013، عندما استغل الرجل نفسه التظاهرات الشعبية ضد نظام الإخوان الذي فشل في إدارة البلاد، وأطاح الرئيس المنتخب.
وأكبر دليل على ذلك خطاب السيسي مع قضاة الهيئة العليا للانتخابات عندما هدّدهم بتخريب مصر بملياري جنيه و"باكتة" بانجو وشريط ترامدول، وإنزال البلطجية في تظاهرات تستمر لشهور، وهذا ما قاله في خطابه الشهير، ليؤكد بقوله هذا أنّه فعل ذلك من قبل، وجميعنا لم تفاجئه هذه التصريحات التي خرجت بزلة لسان كشفت طريقة عمل السلطة في الوصول إلى الحكم.
ذلك التهديد لم يكن عفوياً، أو مجرّد حديث في جلسة صفاء، هي كلمات خرجت من رجل مخابرات يقصد بها بثّ الخوف في نفوس القائمين على العملية الانتخابية، حتى لا يفكر شخص، ولو مجرّد تفكير، في أن يخرج عن الخط المرسوم له بعناية. حينها يصبح الكلّ في خطر، ولن ينجو من شرّ الحاكم العسكري أحد.
أصبح الطريق أمام السيسي ممهداً للاستمرار في حكم مصر حتى 2030، لا سيما وأنّ المنافسين الذين سُمِح لهم باستكمال السباق ليس لهم وزناً ولا قيمة، ولن يجرأ أحدهم على الخروج عن النص المكتوب له
انتهت مهلة جمع التوكيلات، ومُنع الطنطاوي من جمع الـ25 ألف توكيل التي تمكنه من الاستمرار في السباق، وخرج من الانتخابات وسط هجوم مستمر من أذناب النظام في برامج "التوك شو" وصفحات التواصل الاجتماعي، ومطالبات باعتقاله. وبالفعل، ألقت قوات الأمن على أكثر من 100 شخص من أعضاء حملته الانتخابية، وتوقعنا آنذاك أنّ التنكيل به مؤجّل.
وبعد أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات عن إغلاق باب الترّشح، تحرّكت الجهات المعنية وأحالت أحمد الطنطاوي إلى المحاكمة الجنائية بتهمة تداول أوراق تخصّ الانتخابات دون إذن السلطات، وذلك عقب إعلانه عدم استيفائه شروط خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.
وقرّرت محكمة جنح "المطرية" تأجيل محاكمة البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، ومدير حملة ترشحه في الانتخابات الرئاسية محمد أبو الديار، و21 من أعضاء الحملة في قضية "التوكيلات"، بعد اتهامهم بطباعة وتداول أوراق العملية الانتخابية.
ويقول أحد أعضاء الحملة الطنطاوي في تصريحات لوكالات أنباء غربية إنّ "المحامين فوجئوا باسم الطنطاوي ومحمد أبو ديار (مدير حملته الانتخابية) ضمن المتهمين في قضية التوكيلات".
وهنا انتهت خطة الطنطاوي بالوصول إلى كرسي الرئاسة، وبدأت خطة السيسي ورجاله في استرداد كرامتهم التي أهدرها المرشح (الذي كان محتملاً) بين الحشود الانتخابية، مستغلاً انشغال العالم في الحرب الدائرة في غزة، التي مكنته أيضا من تشديد قبضته الأمنية، وإخراس كلّ الأصوات التي كانت تهمس قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي.
الآن، أصبح الطريق ممهداً للاستمرار في حكم مصر حتى 2030، لا سيما أنّ المنافسين الذين سُمِح لهم باستكمال السباق ليس لهم وزن ولا قيمة، ولن يجرؤ أحدهم على الخروج عن النص المكتوب له، ولو حتى ارتجالاً بشطر كلمة، فالعواقب وخيمة، والمقابل يستحق أن يسحق السيسي من يفكر في إزاحته.