02 سبتمبر 2024
حكايات سورية (6)
انتهى صديقُنا "كمال" من سرد حكاية التَمَاسّ الكهربائي "الكونتاك" الذي نتجَ عن حادث المرور الذي وقع أمام منزله في إدلب قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ووعدنا أن يحكي لنا حكاية الشاحنة المحملة بأسطوانات الغاز التي انحصرتْ في مكان الحادث منذرةً بخطر إضافي.
استمهلتُه، وقلتُ له: يا أستاذْ كمالْ، متلما بتعرفْ، أنا عَمْ إِنْقُلْ هاي الحكاياتْ لمدونة "إمتاع ومؤانسة" في صحيفة "العربي الجديد"، وبحب إلْفُتْ نظرك لمسألة مهمة، وهي إنُّه القارئْ ما بيحبّ يتابع القصصْ المتسلسلة. الأفضل إني نقدمْ كل حكاية بشكل مستقل.
قال كمال: أنا موافق. وراح نخصص الحديث في هاي السهرة لحكاية الطرطيرة المحملة بأسطوانات الغاز اللي كانتْ موجودة بالقرب مِنْ موقعْ الحادثْ المروري. للعِلْمْ: الطرطيرة هيي عربة زغيرة بتمشي على تلات عجلات، وسموها طرطيرة لأنه المحرك الخاص فيها على طول بيقول: طُرْ طُرْ طُرْ.. وأهل الساحل السوري بيسموها "الطِزْطَيْزِة"! وهالطرطيرات، أو "الطِزْطَيْزاتْ"، مستحيل تلاقي متلها في أي بلدْ من بلدان العالم غير سورية، ولا حتى في اليابان اللي بتصنعْ محركاتْها، لاكن اللي صارْ إنُّه بعض السوريين اللي بيشتغلوا في الصناعة والميكانيك جابوا محركْ الموتوسيكلْ العادي اللي بيمشي على عجلتين، ماركتُه سوزوكي أو ياماها أو هوندا، وصنعوا لُه صندوق حديدي مُصَفَّحْ، وأضافوا مسنناتْ لنقل الحركة، وأنتجوا الطرطيرة. الناس الفقرا اللي ما بيمتلكوا تمن سيارات أو بيكابات زراعية صاروا يشتروا "طرطيرة" ويستعملوها في النقل الزراعي، وخاصة في الأراضي الوعرة، وفي نقل الحجارة والبلوك والرمل، وفي بيع أسطونات الغاز.
قال أبو زاهر: بالفعل هاي بلاد العجايب. والله يا شباب كل شي عندنا متخلف حتى الصناعة.
قلت: هيي صحيح صناعة متخلفة، لاكن بالنسبة للأهالي كانت خيرْ وبَرَكِة. في أوائل التمانينات -مثلاً- إذا كنت واقفْ في ساحة الخضرة بمدينة إدلب ومعك أكياس خضار وفواكه ورز وعدس وبرغل، وأحبيتْ تستأجر تكسي، وين بتلاقي تكسي؟ مستحيل. بهالحالة بدك تضطرّْ تستأجرْ طرطورة، وبتحطّ أكياسك ورا وبتركب إنته جنب السائق، وما بينقصك غير تغني يا تكسي الغرام يا مقرب البعيد متل المطرب عبد العزيز محمود لما بيغني في الفيلم برفقة هدى سلطان.
قال أبو ماهر: الله عليك يا أبو المراديس. هاي من الأغاني الرائعة. بظن الفيلم كان اسمه تكسي الغرام، وأنتجوه سنة 1954.
قال أبو جهاد: طول بالك أبو ماهر. خلونا في ساحة الخضرة. أنا بدي إسألْ ليش الواحد بيستأجر طرطيرة بدل التكسي، وإذا بيطلع في الباص الداخلي مو أحسن؟
قلت: ما كان في باصات داخلية بهديكه الأيام، ولما صار في باصات داخلية كانت تمشي على خطوط متباعدة. يعني إذا بيتك في حي البيطرة جنوبي البلد وبتطلع بالباص ممكن ياخدكْ على معمل الكونسروة اللي غربي البلد! باختصار عندك خيارين: إما بتستأجر طرطيرة، أو بتمشي على رجليك.
تابع كمال شروحاته: في البداية اعترفتْ دوائرْ النَقْلْ الحكومية بهالشاحنة الغريبة اللي اسمها طرطيرة، وأطلقت عليها إسمْ حضاري (ناقلة صغيرة ذات ثلاث عجلات). وصارت تسجلها في سجلاتها، وأخضعتْها للضرايب والرسوم، ولكن هالدوائرْ ندمت على هالإجراء، وعملت انقلاب على الطرطيرات.. وفي عشية وضحاها انتقلت من مرتبة الصديق لمرتبة العدو.
استمهلتُه، وقلتُ له: يا أستاذْ كمالْ، متلما بتعرفْ، أنا عَمْ إِنْقُلْ هاي الحكاياتْ لمدونة "إمتاع ومؤانسة" في صحيفة "العربي الجديد"، وبحب إلْفُتْ نظرك لمسألة مهمة، وهي إنُّه القارئْ ما بيحبّ يتابع القصصْ المتسلسلة. الأفضل إني نقدمْ كل حكاية بشكل مستقل.
قال كمال: أنا موافق. وراح نخصص الحديث في هاي السهرة لحكاية الطرطيرة المحملة بأسطوانات الغاز اللي كانتْ موجودة بالقرب مِنْ موقعْ الحادثْ المروري. للعِلْمْ: الطرطيرة هيي عربة زغيرة بتمشي على تلات عجلات، وسموها طرطيرة لأنه المحرك الخاص فيها على طول بيقول: طُرْ طُرْ طُرْ.. وأهل الساحل السوري بيسموها "الطِزْطَيْزِة"! وهالطرطيرات، أو "الطِزْطَيْزاتْ"، مستحيل تلاقي متلها في أي بلدْ من بلدان العالم غير سورية، ولا حتى في اليابان اللي بتصنعْ محركاتْها، لاكن اللي صارْ إنُّه بعض السوريين اللي بيشتغلوا في الصناعة والميكانيك جابوا محركْ الموتوسيكلْ العادي اللي بيمشي على عجلتين، ماركتُه سوزوكي أو ياماها أو هوندا، وصنعوا لُه صندوق حديدي مُصَفَّحْ، وأضافوا مسنناتْ لنقل الحركة، وأنتجوا الطرطيرة. الناس الفقرا اللي ما بيمتلكوا تمن سيارات أو بيكابات زراعية صاروا يشتروا "طرطيرة" ويستعملوها في النقل الزراعي، وخاصة في الأراضي الوعرة، وفي نقل الحجارة والبلوك والرمل، وفي بيع أسطونات الغاز.
قال أبو زاهر: بالفعل هاي بلاد العجايب. والله يا شباب كل شي عندنا متخلف حتى الصناعة.
قلت: هيي صحيح صناعة متخلفة، لاكن بالنسبة للأهالي كانت خيرْ وبَرَكِة. في أوائل التمانينات -مثلاً- إذا كنت واقفْ في ساحة الخضرة بمدينة إدلب ومعك أكياس خضار وفواكه ورز وعدس وبرغل، وأحبيتْ تستأجر تكسي، وين بتلاقي تكسي؟ مستحيل. بهالحالة بدك تضطرّْ تستأجرْ طرطورة، وبتحطّ أكياسك ورا وبتركب إنته جنب السائق، وما بينقصك غير تغني يا تكسي الغرام يا مقرب البعيد متل المطرب عبد العزيز محمود لما بيغني في الفيلم برفقة هدى سلطان.
قال أبو ماهر: الله عليك يا أبو المراديس. هاي من الأغاني الرائعة. بظن الفيلم كان اسمه تكسي الغرام، وأنتجوه سنة 1954.
قال أبو جهاد: طول بالك أبو ماهر. خلونا في ساحة الخضرة. أنا بدي إسألْ ليش الواحد بيستأجر طرطيرة بدل التكسي، وإذا بيطلع في الباص الداخلي مو أحسن؟
قلت: ما كان في باصات داخلية بهديكه الأيام، ولما صار في باصات داخلية كانت تمشي على خطوط متباعدة. يعني إذا بيتك في حي البيطرة جنوبي البلد وبتطلع بالباص ممكن ياخدكْ على معمل الكونسروة اللي غربي البلد! باختصار عندك خيارين: إما بتستأجر طرطيرة، أو بتمشي على رجليك.
تابع كمال شروحاته: في البداية اعترفتْ دوائرْ النَقْلْ الحكومية بهالشاحنة الغريبة اللي اسمها طرطيرة، وأطلقت عليها إسمْ حضاري (ناقلة صغيرة ذات ثلاث عجلات). وصارت تسجلها في سجلاتها، وأخضعتْها للضرايب والرسوم، ولكن هالدوائرْ ندمت على هالإجراء، وعملت انقلاب على الطرطيرات.. وفي عشية وضحاها انتقلت من مرتبة الصديق لمرتبة العدو.
قال أبو محمد: غريبة. ليش تحولت لعدو؟ أشو السبب؟
قال كمال: في سنة 1993 صدر قانـون رقمُه /10/ بيسمح للمواطنين باستيراد سيارات حديثة وبيكآبات زراعية، وبوقتها صارْ في عنا شوية سيارات حديثة، والسيارات القديمة المهرهرة صاروا الناس ينسقوها، ويحتفظوا بالسيارات القديمة المنفوضة (يعني اللي منضفينها ومرتبينها وداهنينها من بره بألوان براقة).. وهيك صار المجتمع ينفر من الطرطيرات، لأنها صارتْ مصدرْ إزعاجْ دائمْ للنـاس والحكومة والرجال المسرورين بركوبْ السيارات الحديثة.
لاكن هاد الانزعاج ما بيقدم ولا بيأخر، واللي عنده طرطيرة كان يقول بلسانْ حالُه للناس: والله أنا طرطيرتي عاجبتني وعم أنجز فيها أعمالي، وبعيش من غَلّتْها، واللي ما بيعجبه هالشي خليه ينطح راسُه بالحيطْ.
قال أبو الجود: صاير الأستاذ كمال متل الحلاق اللي بيضرب المقص عشر ضربات في الهوا، وضربة واحدة في راس الزبون. أخي احكي لنا عن الطرطيرة اللي كانت محملة أسطوانات غاز. أيش صار فيها؟
قال كمال: نعم. لما صار الحادث انتبهنا لوجودها في زاوية ضيقة من المكان، وكان المحرك تبعها عم يقول طُرْ طُرْ طُرْ كالعادة.. وكان صاحبها مركّبْ عليها جهاز تسجيل عما يبث صوت رجل عم يصيح: غاز غاز هات أسطوانة فاضية وخود مليانة.. واتقاءً للخطرْ اللي ممكن يحصل لو انفجرت تحركوا الموجودين باتجاهها، لحتى يبعدوا خطرها عن المكان، والشباب أصحاب العزم القوي شدوها بقوة لحتى طلعت من المكان، وأداروها باتجاه الشرق، ودفشوها من ورا، وعجلاتها تحرروا من المكابح وصارتْ تدرج ببطء باتجاه الشرق، هون حصل الشي اللي مو ممكن الإنسان يتخيله أو يشوف متله في أي مكان من العالم.
قال أبو محمد: أف! أيش صار؟
قال كمال: بما أنه الطريق في هالمنطقة منحدرْ، صارت الطرطيرة وهي نازلة تسرع وتتسارع، وأسطوانات الغاز وحدة ورا وحدة تنط وتوقع ع الأرض وتتدحرج يمين أو شمال، وتبقى تتدحرج لحتى تصطدم بشي حيط أو باب أو رصيف أو عمود، ونحن المندهشين من هالشوفة التفتنا لقينا رجل عم ينتف شعره وبيصيح: هاي طرطيرتي، خربتوا بيتي الله يخرب بيتكم!
قال كمال: في سنة 1993 صدر قانـون رقمُه /10/ بيسمح للمواطنين باستيراد سيارات حديثة وبيكآبات زراعية، وبوقتها صارْ في عنا شوية سيارات حديثة، والسيارات القديمة المهرهرة صاروا الناس ينسقوها، ويحتفظوا بالسيارات القديمة المنفوضة (يعني اللي منضفينها ومرتبينها وداهنينها من بره بألوان براقة).. وهيك صار المجتمع ينفر من الطرطيرات، لأنها صارتْ مصدرْ إزعاجْ دائمْ للنـاس والحكومة والرجال المسرورين بركوبْ السيارات الحديثة.
لاكن هاد الانزعاج ما بيقدم ولا بيأخر، واللي عنده طرطيرة كان يقول بلسانْ حالُه للناس: والله أنا طرطيرتي عاجبتني وعم أنجز فيها أعمالي، وبعيش من غَلّتْها، واللي ما بيعجبه هالشي خليه ينطح راسُه بالحيطْ.
قال أبو الجود: صاير الأستاذ كمال متل الحلاق اللي بيضرب المقص عشر ضربات في الهوا، وضربة واحدة في راس الزبون. أخي احكي لنا عن الطرطيرة اللي كانت محملة أسطوانات غاز. أيش صار فيها؟
قال كمال: نعم. لما صار الحادث انتبهنا لوجودها في زاوية ضيقة من المكان، وكان المحرك تبعها عم يقول طُرْ طُرْ طُرْ كالعادة.. وكان صاحبها مركّبْ عليها جهاز تسجيل عما يبث صوت رجل عم يصيح: غاز غاز هات أسطوانة فاضية وخود مليانة.. واتقاءً للخطرْ اللي ممكن يحصل لو انفجرت تحركوا الموجودين باتجاهها، لحتى يبعدوا خطرها عن المكان، والشباب أصحاب العزم القوي شدوها بقوة لحتى طلعت من المكان، وأداروها باتجاه الشرق، ودفشوها من ورا، وعجلاتها تحرروا من المكابح وصارتْ تدرج ببطء باتجاه الشرق، هون حصل الشي اللي مو ممكن الإنسان يتخيله أو يشوف متله في أي مكان من العالم.
قال أبو محمد: أف! أيش صار؟
قال كمال: بما أنه الطريق في هالمنطقة منحدرْ، صارت الطرطيرة وهي نازلة تسرع وتتسارع، وأسطوانات الغاز وحدة ورا وحدة تنط وتوقع ع الأرض وتتدحرج يمين أو شمال، وتبقى تتدحرج لحتى تصطدم بشي حيط أو باب أو رصيف أو عمود، ونحن المندهشين من هالشوفة التفتنا لقينا رجل عم ينتف شعره وبيصيح: هاي طرطيرتي، خربتوا بيتي الله يخرب بيتكم!