حكايات من البلد (7)
أحياناً، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، تتزاحم الحكايات وتتداخل، ويصبحُ من واجبي، أنا مدونُها ومحررها، أن أبذل جهداً استثنائياً، لأجل ضبطها، وترتيبها، وجعلها مفهومة بالنسبة لقراء مدونتي الأكارم. وهذا لا يضايقني بالطبع، لأنه عملي.
كان أبو الجود يحكي لنا عن اللحظة التاريخية التي تجلت بحصول ابنه "فيصل" على مبلغ مئة ألف ليرة، من خلال تعاونه مع معلم الشبيحة، وتمكنه من تحصيل حق الأخ أبو سمير من رجل محتال نصاب يدعى أبو فطوم.
بعدما خرج أبو الجود وفيصل من الدار، خطر لأبو الجود أن يحكي لفيصل عن والده المرحوم الذي كان مفلساً وصاحب نخوة في آن معاً، وكلما رأى رجلين يختصمان يتدخل بينهما، ويبدي استعداده لأن يحل المشكلة على حسابه، وذات مرة، قَبِلَ الطرفان المتنازعان اللذان تدخل بينهما بتحكيمه، وقالا له: تفضل عمو أبو عبد المجيد، حل المشكلة على حسابك، إدفع لنا المبلغ اللي مختلفين عليه، ومنوعدك نتصالح ونبوس شوارب بعضنا البعض.
قال أبو الجود: أبوي بوقتها انسطل من المفاجأة، وقال: آ؟ بس أنا ما معي مصاري!
ضحك الحاضرون في السهرة، وقال أبو زاهر: أنا عندي تعليق زغير. عمليات الاحتيال في بلادنا مركبة ومعقدة. فينا نطلع بنتيجة إني نحن السوريين كنا عايشين في (مَحْيَلة).
أبو محمد: وأشو هاي المَحْيَلة؟
قلت له: طلع له حطاطة ماركة زيت، وبريم مرعز، وملتان حرير، ومسبحة 101 حبة.
صفر صفر طويلة وقال لي: يا ساتر. كل هدول بليرة
أبو زاهر: مكان لعب القمار بيسموه (مَقْمَرة)، ومكان الاحتيال مَحْيَلة. تصور عمي أبو محمد، على حسب ما حكى أبو الجود، أبو فطوم احتال على أبو سمير، ودفع رشاوي لموظفين في دائرة التنفيذ بالقصر العدلي، وهدول الموظفين كمان محتالين، لأنهم بيقبضوا مصاري بالسر وبيعرقلوا تطبيق القانون، والمظلوم المغدور أبو سمير وقع تحت إيد فيصل اللي بلش يشتغل في الاحتيال، وفيصل لجأ للاحتيال، ووافق إنه يتدخل الشبيح الكبير ويحتال ع الجميع، ويقبض أكبر حصة من الكومة.
أبو المراديس: أبو زاهر لخص العملية ببراعة. لكن، حتى ما نضيع البوصلة، يا ريت أبو الجود يكمل حديثه.
أبو الجود: بعدما وعدني إبني فيصل بأنه يكذّب على أمه، ويقول لها إنه ربح خمسين ألف ليرة باليانصيب، وإن أنا وهو نتصرف بالخمسين ألف التانية على كيفنا، أنا طلبت منه يقعد ع الأرض، حتى إحكي له على أبوي (يعني جده) اللي وَرَّتْني الفقر والنحس وقلة الحيلة.
أبو جهاد: أنت عن جد بايخ. ما لقيت مطرح تبرك عليه وتقص فيه قصص غير أرض الزقاق اللي مليانة غبرا وبعر وسَقَط؟
أبو الجود: بركت ع الأرض من فرحي بهالمصاري اللي دخلت على داري لأول مرة بالعمر من دون إحم ولا دستور، ما بقيت أعرف أشو بدي أساوي. وبعدما بركنا فلتت بالضحك وقلت لفيصل: كان جدك يحتفظ بسبعين قرش سوري، بشكل دائم في جيب "الشنتيان"، إذا صار معه عشر ليرات، أو خمسطعش، وطلبت منه جدتك، أو نحن الولاد، طلبات، كان يصرف كل المصاري اللي معه، ويحتفظ بالسبعين قرش (قطعة نص ليرة، وقطعة فرنكين، وقطعتين كل وحدة فرنك)، وهدول لما بيمشي بيخشخشوا، متل حمالة المفاتيح لما الواحد بيعلقها على خصره.
حنان: عن جد، أبوه لأبو الجود شخصية طريفة.
أبو الجود: ما راح إحكي لك كتير عن السبعين قرش، بس حادثة وحدة أنا كلما تذكرتها بضحك، وهي أني أنا، في سنة 1975، تسرحت من الخدمة العسكرية، وكان عمري 25 سنة، وبهالعمر الشباب في قريتنا بيخطبوا وبيتزوجوا، فأنا متلما بيقولوا دَلْهَزْت على أبوي، يعني صرت ألاحقه ع الدعسة، وإذا طلب مني عمل كنت أساويه فوراً، وأحياناً أساوي الشغلة قبلما يطلبها، لحتى حسيت أنه استوى، وصار جاهز، وكان في يوم من الأيام قاعد في أرض الديار عم يشرب شاي، ومروّق ع التمام، فقلت له: ياب. أنا صار لازم أتزوج.
لو شفتي يا ست حنان شلون تحمس، وحط كاسة الشاي ع الطربيزة، وشال الحطاطة والبريم (العكال) عن راسه، وقال لي: أبشر. والله العظيم حقك. تعالي يا أم عبد المجيد.
كانت أمي بوقتها عم تحلب العنزات، وعلى قد ما نادى عليها، تركت وأجت، قالت له (خير؟)، فقال لها إنه هو وهيّ مقصرين معي، لازم ما يحيجوني أكسر نفسي وأطلب منهم يزوجوني، المفروض يبادروا ويخطبوا لي من دون ما أقول أو أحكي.
قالت له أمي: معك مصاري؟
وكان الحماس تبعه بعده متأجج، فقال لها: معلوم معي.
ومد إيده على جيب الشنتيان، وطلع المصاري الـ 70 قرش سوري اللي بيبقى محتفظ فيهن على طول.
أبو محمد: هدول "مودعة".
وشرح لنا أبو محمد معنى كلمة مودعة، وهو أن الرجل الذي لديه مجموعة من الدجاجات البياضات، يترك لهنَّ في الخم بيضة واحدة، يجلسن عليها ويبضن، والناس أسموها مودعة بمعنى أنها تودع لتوحيد مكان البيض، وربما أن الدجاجة تستأنس بوجود واحدة من بيضاتها بشكل دائم في المكان فتجلس عليها.
أبو الجود: مرة من المرات اتفقنا أنا وأمي ضد أبوي، وعملنا فيه مقلب. غبت أنا عن البيت شي ساعتين ورجعت، لقيت أمي وأبوي قاعدين عم يشربوا زهورات. قلت لأبوي: قوم شوف ياب، في بياع متجول جاية من حلب، وواقف ع البيدر، وعم يبيع كياس مليانات غراض، وعم يصيح قرب يا حجي قرب يا خيو، الكيس مع الغراض اللي جواته بليرة، والغراض اللي جوات كل كيس قيمتها ع الأقل عشر ليرات. بتعرف ياب أبو حسين العمر أشو طلع له؟
أبوي ترك كاسة الزهورات ووقف، وسالني: أشو طلع له؟
قلت له: طلع له حطاطة ماركة زيت، وبريم مرعز، وملتان حرير، ومسبحة 101 حبة.
صفر صفر طويلة وقال لي: يا ساتر. كل هدول بليرة.
ومد إيده ع جيب الشنتيان، وطلع السبعين قرش، وسألني: ولاك ما في معك أنت مصاري؟
قلت له: معي بس ربع.
قال أبوي: هيك بينقصنا فرنك. طيب تعال معي. مندبر فرنك ومنشتري.
وطلعنا أنا وهوي من الباب، التفتت لقيت أمي عم تضحك.
أبو المراديس: الحكايات اللي رواهن أبو الجود حلوين، بس ما لازم ننسى قصة الـ 100 ألف اللي بعدها موجودة بحوزة فيصل ابن أبو الجود. إذا سمحتوا ذكرونا فيهن في السهرة الجاية.