حكاية الذئب الذي يقيم الصلاة
سأنقل لكم ما جاء في تصنيف أبي حمدان النَهْرَوَرْدي الذي يحمل عنوان "نزهة الأحباب في عالم الذئاب"، ولا سيما قوله إن الذئب كائن أنيس، ومُرَبَّى جيداً في بيت أهله، أو كما يقولون في بلاد الفرنجة (جنتلمان)، وعينه شبعانة، فإن أنت أطعمته أكل، وإن لم تطعمه عف، حتى إن النَهْرَوَرْدي يروي في مصنفه الفريد المذكور أعلاه حكايةً عن رجل بخيل يُدعى "أبا حمدو" ربى ذئباً أليفاً في حديقة بيته، مؤملاً أن يحرسه ويعوي على اللصوص والطامعين، وذات مرة نسيه، والأرجح أنه تناساه، من دون عشاء، ليلتين، فاحتمل الذئب جوع الليلة الأولى، وفي الثانية شرع يتمسح بصاحبه ويطلق أصواتاً خافتة خجولة، فانتبه أبو حمدو لحركاته، ووضع له ما يؤكل، فلما كان الطعام أمام الذئب دخل قطٌّ متغطرس إلى المكان، وهاجمه، وضربه مخلبين (مثل فراق الوالدين) وسحب الطعام من أمامه، دون أن يجرؤ الذئب على تحريك ساكن. فقال أبو حمدو يومئذ لأم حمدو:
- مسكين الذئب يا امرأة، القط يأكل عشاءه!
فذهبت عبارته مثلاً أورده الصيواني في "مرتع الأمثال"، وكذلك العرياني في كتابــه (السن والناب في عالم الذئاب).
والعرياني لم يكتف بتدوين المثل بل أضاف إليه أن حكيم العرب في العصر النيولوني الوسيط "ابن سَحَّال ذَنَبَوَيْهِ"، قال يعظ ابنه وهو على فراش الموت:
- يا بني، لا تسلط مستعيراً على كتبك، ولا تدخل بَصَّاصاً إلى مكتبك، ولا تدع قطاً يسطو على طعام ذئبك!
وقد حدثنا ابن أبويه، عن حفيد جده، أنه قال: إن للذئب صفات أخرى، غير الوسامة والعفة والمسكنة، ومنها التقى والورع، فهو، كما تقول العامة في بلاد ما بين الكهفيــن (ماسكٌ خمسَ أوقاته) ويقصدون بها مواظبته على الصلاة في أوقاتها. وقد امتدحه بذلك أحد شعرائهم إذ قال:
ذئب تراه مصليــاً
وإذا مررت به ركعْ
يدعو وجُلُّ دعائـه
ما للفريسة لا تقعْ!
عَجِّلْ بها يا ذا النهى
إن الفؤاد قد انصدعْ
.. فيا لعالم الذئاب من عالم غريب عجيب!