حكاية العيد والرز والفاصولية
أقر معظم الحاضرين في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" المنعقدة في بيت العم أبو محمد بإسطنبول بأن الأعياد في الغربة لا تشبه أعياد الوطن، حتى إن تسميتها أعياداً يجب أن تصنف في خانة (المَجَاز).
قال أبو الجود: قبلما تطلعوا إنتوا الثوار وتقولوا بدنا حرية، وتخلوا ابن حافظ الأسد يزعل منا، ويطب علينا صواريخ وبراميل وكيماوي ويطفشنا من بلدنا كان العيد كويس.. أما هلق مين بدنا نعيد؟ ومين بده يعيدنا؟
أبو جهاد: الفهمان أبو الجود عم يلوم الشباب اللي طلعوا منشان الحرية وخلوه ينحرم من العيد في البلد.. اللي بيسمعه بيظن إنه هوي كبير عيلة بيت "عبد المجيد"، وإنه شي أربعين خمسين شب كانوا يقعدوا يوم العيد على سفرته!
ضحك أبو الجود حتى غارت عيناه وقال:
- أربعين خمسين شاب بيقعدوا ع سفرتي أنا؟ ورحمة أبوي بعمري ما دعيت حدا على بيتي وقليت له بيضتين، أو فتحت علبة سردين على شرف حدا. بس أنا، متلما بتعرف يا سيد أبو جهاد، كنت أمَضّي العيد على سُفَر الناس الطيبين متل العم أبو محمد. إييييه، الله يرحم أيام الرز والفاصولية اللي كنا ناكلها عند هالإنسان الكريم المحترم.
أبو المراديس: أنا عندي تعقيب زغير. أبو الجود ما كان قصده يلوم الثوار، بس اللي عمله فينا إبن حافظ الأسد ما كنا حاسبين حسابه.. العمى في عيونه شقده واحد لئيم. اللي بيقول بده حرية بيضربُه بالبراميل والكيماوي وبيخلي بيته يوقع فوق راسه؟!
أبو محمد: هادا الحديث ممكن ياخدنا عَ السياسة ووجع الراس.. أنا حابب تخلونا في جو العيد.. وإذا في شي حكاية عن العيد بيكون أحسن.
كمال: أنا في عندي حكاية واقعية إلها علاقة بالرز والفاصولية، وبظن إنها راح تعجبكم. بس اسمحوا لي أعمل مقدمة زغيرة. يا سيدي، متلما بتعرفوا إنه سيدة المنزل في سورية، وبالأخص بمناطقنا الشمالية، صباح العيد، بتفيق بكير، وبيكون رب الأسرة في يوم الوقفة جايب لها كل مستلزمات الطبخ والنفخ، وبتكون هيي محضرة المستلزمات وفارمتها وغاسلتها في السهرة، وبتحط الطبخات على النار. بيفيقوا أفرد الأسرة الصبح، ممكن يشربوا فنجان قهوة، وبيروحوا الرجال ع المقبرة، بيمضوا شي ساعة زمان، وبيرجعوا ع البيت، بيلاقوا سفرة الطعام جاهزة.
أبو محمد: كل شي حكيته صح. هيك بيعملوا كل الناس بمناطقنا.
كمال: بس هون في ملاحظة زغيرة، وهي إنه الناس، في الأيام العادية، بياكلوا الصبح لبنة وزيتون وكعك ومربى وبيشربوا حليب أو شاي، إلا يوم العيد، فبيكون الفطور دسم جداً.. هون بقى منكون وصلنا لسيرة الرز والفاصولية.
أبوها لسوسن انقطع قلبه من الرعبة، وظن إنه بنته عاملة شي لا سمح الله. ولما فهم إنه القصة إلها علاقة بالفاصولية والبامية ضحك، وطبعاً الكل ضحكوا
أم زاهر: ما قلت لنا يا أستاذ كمال، هاي القصة مين بطلها؟
كمال: في عائلة إدلبية مشهورة بالمزح والضحك، هيي عائلة "أبو الحجي"، بتتذكروا أبو الحجي اللي حكينا عنه في السهرة الماضية؟ قصدي الرجل اللي مزح مع رفقاته آخر مزحة قبلما يموت؟
أم الجود: منتذكره.
كمال: هادا أبو الحجي هوي كبير العيلة. المهم، عائلة أبو الحجي صديقة عائلتنا نحن بيت الطَبَنْجي. وقبل شي تلاتين سنة في شاب محترم من بيت أبو الحجي اسمه (أحمد) تزوج فتاة من عائلتنا اسمها (سوسن).. يعني صرنا نحن وهني نسايب. في أول عيد حضرت بنتنا سوسن العيد ضمن عائلة أبو الحجي، ولاحظت إنه كل الأسر تبعهم طابخين رز وفاصولية بيضا، بدون استثناء وكأنه هالشي قانون صارم. بعدين أجت هيي وجوزها أحمد ليعيدوا أهلها.. استغرب أحمد لما شاف إن بيت حماه طابخين رز وبامية! بعدين سوسن أخدت زوجها في جولة على الأعمام والأقارب، فتأكد له بأن عيلتنا كلها هيك. طبعاً أحمد ما علق ع الموضوع، وراح المسا لعند أبوه وقال له:
- يا ياب إنته تسرعت لما زوجتني سوسن الطبنجي!
سأله أبوه: ليش؟
قال له: هدول بيت الطبنجي في العيد بيطبخوا رز وبامية. وما في حدا منهم بيطبخ فاصولية!
الأب طلب من إبنه أحمد يتكتم ع الموضوع، لكن الأم لاحظت إنه في سر بين زوجها وإبنها، فتدخلت وصارت تلح لتعرف أشو القصة. وعرفت. والقصة تسربت، وعرفوا فيها رجال ونسوان عيلة أبو الحجي.. ولهالسبب انعقد اجتماع على مستوى عائلي رفيع، وجرى الحديث على النحو التالي:
أبو أيهم: خيو، نحن أيش بدنا من كل العيلة؟ المهم سوسن بنت عائلة ومرباية، وأكيد بدها تتطبع بطباع زوجها، وبالعيد بتطبخ فاصولية!
أبو سامر: صح. بس ممكن تطبخ فاصولية سنة وسنتين وتلاتة، وبالأخير لا تنسوا إنه العِرْق دَسّاس، مين بيعرف؟ مع الزمن ممكن يفيق زوجها وولادها صباحية العيد يلاقوها طابخة بامية!
أبو سالم: في شغلة رايحة عن بالكم، إنه (الولد إذا مال تلتينه للخال)، يعني الناس في المستقبل ممكن يعيروا ولاد أحمد بأنه خوالهم من الجماعة اللي بيطبخوا رز وبامية في العيد!
أبو الحجي اللي حكينا عنه البارحة، وهوي كبير العيلة، أمر الكل بأنهم يسكتوا ويبطلوا تعليق. وقال لهم:
- خلص. هاي الشغلة أنا بحلها.
وتاني يوم بيت أبو الحجي شكلوا وفد وراحوا لعند أبوها لبنت عمي سوسن. ولما دخلوا كانت وجوههم مكفهرّة، وقال أبو الحجي لأبو سوسن:
- خيو؟ هيك بيصير؟
أبوها لسوسن انقطع قلبه من الرعبة، وظن إنه بنته عاملة شي لا سمح الله. ولما فهم إنه القصة إلها علاقة بالفاصولية والبامية ضحك، وطبعاً الكل ضحكوا، باعتبار إنه اللي صار كان عبارة عن مزحة تطورت وجرى النسج عليها لحتى تحولت لقصة هزلية، وهاي القصة ما زلنا منتداولها كلما التقينا نحن وبيت أبو الحجي، بالأخص في العيد. الواحد من بيت الطبنجي بيسأل اللي من بيت أبو الحجي:
- خيو، إنتوا بيت أبو الحجي، بعدكم عم تطبخوا فاصولية في العيد؟
بيقله التاني بعدما يتصنع الغضب والعداء:
- نعم. منطبخ فاصولية وإلنا الفخر. مو أحسن ما نطبخ بامية ونصير مضحكة بين الناس؟!!