حكاية "خود عني جيتك" (4)
بعد توقف قصير بسبب عيد الحب، شرحنا لكم خلاله كيف أننا لا نحب ولا نعرف شيئاً عن أعياد الحب، نستأنف حكايات أبطالنا المغاوير المجانين العقلاء.
كان أبو الجود يروي لنا حكاية الصدام الذي وقع بين مراد القندريسي (أبو هنداوي) من قرية الضبعة، وأشقائه الثلاثة نهاد وفؤاد وعماد. ملخص السيرة أن الأخ الأكبر "أبو هنداوي" استولى على ميراث إخوته، وبعد عدة محاولات تسوية فاشلة، قدم فؤاد لشقيقيه نهاد وعماد اقتراحاً غريباً من نوعه، وهو أن يقوموا بسلسلة أفعال توصل "أبو هنداوي" إلى الجنون، ووقتها يرفعون عليه دعوى "عدم أهلية قانونية"، فيقرر القاضي كف يده عن الميراث، وإعطاء كل واحد من الورثة حقه.
ولتسهيل المهمة على شقيقيه قال فؤاد: إنتو خليكم واقفين على طرف، أنا لحالي بجننه، لكن إذا وقعت أنا في مشكلة لا تتركوني في الساحة وحدي.
أبو جهاد: بصراحة؟ هادا فؤاد قبضاي، بس إخوته أندال.. مو بس أبو هنداوي ندل، كمان عماد ونهاد..
أبو الجود: المهم؛.. فؤاد، في هداكا اليوم، حط في جيبه علبة بلاستيكية، إلها غطا محكم، وشال الفاس، وطلع ع الطريق القبلي اللي بيوصل على معرتمصرين، وصار يدوّر بعينيه على ثقب موجود على سطح الأرض وحواليه تراب ناعم، ولما يلاقي ثقب من هالنوع بيجيب قشاية رفيعة، وبينزلها في الثقب، وبيستنى شوي، إذا حس بأنه القشاية عم تنشد لتحت، بيعرف إنه في تحت عقرب، ووقتها بيضرب بالفأس ضربة كبيرة، وبيقلع كتلة التراب، وبيحطها على الأرض، وبيفلشها بحذر، حتى يطلع منها العقرب، وبيفتح العلبة وبيسقطه فيها، وظل يتصيد عقارب لحتى صارت غلته كويسة، سَكَّرْ عليها العلبة، وأخدها ع الدار، خباها في مكان آمن، وبلش بالجزء التاني من الخطة.
كبس أبو هنداوي ع الجرح ملح، وانسحب من المعركة، لأن واضح من تصرف فؤاد إنه جانن ع الآخر. وخلال يومين باع قطعة أرض من ماله الخاص، واشترى بتمنها بيت في الحارة الغربية من معرتمصرين
حنان: عن جد أنا قلبي راح يوقف، منيح ما واحد من هالعقارب استحكم فيه وقَرَصُه، بيقولوا قرصة العقرب بتموّت.
أبو الجود: كانت والدته المرحومة عندها طاسة زغيرة، أخدها قبل المغرب بشوي، وراح لعند الحلاق، وطلب منه أنه يثبت الطاسة على راسه، ويحلق حواليها، وبعدما يخلص ينقلها لمكان تاني، ويثبتها، ويحلق حواليها، هيك لحتى صار رأسه جبال ووديان، وجمع الشعر المقصوص وصار يلزّقه على ذقنه وشواربه وحواجبه، .. الخلاصة صار منظره بيخوّف، وفي وقت متأخر من الليل، تسلل باتجاه دار أبو هنداوي، وكان الشباك الغربي مفتوح، نط ونزل ع الدار، ومشي شوي شوي لعند باب غرفة النوم، فلت العقارب جنب شق الباب التحتاني، وطلع من النافذة، وصار يقلد أصوات الحيوانات الليلية، شي يصيح متل الجقل، وشي يعوي متل الواوي، وبعد شوي شعل أبو هنداوي الضو، لحتى يشوف أشو صاير، وفتح الباب والنوم في عينيه، ولما داس حس بشي لزج تحت قدمه، تطلع لتحت، شاف العقارب عم تسعى، صار ينط وما يحط، ويصيح، فاقت أم هنداوي والأولاد، وشالوا الشَحَّاطات وبلشوا يقتلوا العقارب، ولما وصل أبو هنداوي للشباك الغربي كان فؤاد المتنكر عم يمد له لسانه ويقول له على طريقة الدراويش: حي.. الله حي!
أبو جهاد: كل هالشي اللي عمله فؤاد وإنته بتقول عنه مو مجنون؟
كمال: بدك الصراحة يا أبو جهاد؟ بين العقل والجنون في مساحة كبيرة، وكل إنسان بيتأرجح ضمن هالمساحة.. يعني خيو الإنسان بيعقل وبيجن وبيعقل.. لكن في ناس بيستمر معهم الجنون فترة طويلة، والفرق بيننا وبين المجتمع الغربي إن في مجتمعاتهم إذا الواحد بيجن بيحاولوا يعقّلوه، وعندنا إذا كان الإنسان عاقل وظهرت عليه حالة جنون بسيطة، بيكملوا عليه وبيجننوه.
أبو محمد: يا ريتك يا أستاذ كمال ما دخلتنا بهالدخلة. خلينا نعرف أيش عمل أبو هنداوي بعد قصة العقارب.
أبو الجود: أبو هنداوي ما جن، متلما كان أخوه فؤاد عم يخطط، لكن حادثة العقارب خلته يعلن الحرب على إخوته.. في ليلة العقارب أم هنداوي استنفرت، وحلفت يمين إنها ما بتنام هالليلة في الدار، لأن ممكن يكون لسه في عقارب متخباية بشي قرنة وتقرص حدا من الولاد في الليل، وبالفعل أخدت الولاد، وكملت الليلة في بيت أهلها، وأبو هنداوي ما تعذب كتير لحتى عرف مين اللي عمل هالعملة، لأن تاني يوم شاف أخوه فؤاد في السوق، وكان مخبي راسه بحطاطة حمرا إلها شراشيب، نادى له. فؤاد عرف ليش عم ينادي له، فما رد عليه، أبو هنداوي لحقه من ورا، وشد الحطاطة.. شاف إنه حالق شعره جبال ووديان، وكان في لطع حمر على وجهه في الأماكن اللي كان لازق فيها الشوارب والحواجب والدقن..
أبو هنداوي: بسيطة يا مجنون. أنا بفرجيك.
فؤاد استنفر، شلح فردة صباطه وقربها من وجه أبو هنداوي وقال له: منيتك على هالصباط العتيق ولاك.
وركضوا الناس، حجزوا بيناتهم قبلما يتضاربوا، وفؤاد استغل الفرصة وصار يقول للناس: اتركوا هالنصاب المبطل، خليه يضربني، مفكر إني بدي إحترمه لأنه أخوي الكبير. علي الطلاق إذا بيمد إيده علي لأكسرها وأعلقها برقبته.
كبس أبو هنداوي ع الجرح ملح، وانسحب من المعركة، لأن واضح من تصرف فؤاد إنه جانن ع الآخر. وخلال يومين باع قطعة أرض من ماله الخاص، واشترى بتمنها بيت في الحارة الغربية من معرتمصرين، ونقل عيلته كلها ع معرتمصرين، وبعدما هدي واستقر نفسياً، بعت خبر لأخوه نهاد وأخوه عماد، إنهم يجوا لعنده. ولما أجوا عرض عليهم عرض فينا نقول إنه مغري.
أم زاهر: أشو هوي هالعرض؟
أبو الجود: قال إنه مستعد يعطي لكل واحد منهم قطعة أرض، أقل من الحصة الحقيقية طبعاً، وهني بيتنازلوا عن كامل حقوقهم من الميراث، وما بيتدخلوا بالشي اللي راح يصير بينه وبين فؤاد.
سأله نهاد: أشو بده يصير بينك وبين فؤاد خاي؟
أبو هنداوي: فؤاد هوي اللي بدي الحرب علي، وأنا بدي أمسح فيه الأرض بإذن الله.
عماد: ليش ما منتدخل أنا ونهاد بيناتكم ومنصالحكم؟ لا تنسى إنه هوي أخونا..
أبو هنداوي: إنتوا التنين إخوتي، على راسي وعيني، أما فؤاد مو أخوي، وطالما عم يجيب عقارب وبيفلتها في داري أنا ما راح أسكت له. ع كل حال فكروا بالشي اللي قلت لكم ياه على مهلكم.
(للقصة تتمة)..