حَكَم الساحة ينجّر خازوقاً للأستاذ
(الجزء الثالث من الأسطورة)
خلال زمن قصير، شاع في الأوساط الرياضية السورية خبرٌ مفادُه أن "الأستاذ" فلان الفلاني من أسرة "الأسد" الحاكمة، تبنى النادي الرياضي (سين)، واتخذ قراراً حاسماً لا يقبل الجدل بأن يصعد فريقُه، في السنة الجارية إلى دوري الدرجة الأولى، وفي السنة القادمة ينافس على بطولة الدوري، وسوف يحرزها بالتأكيد.
خلال زمن قصير، اكتملت صفوف الفريق (سين)، وامتلأ رصيده البنكي بأموال لا تأكلها النيران، وشكل الأستاذ رابطة المشجعين بقيادة أحد الشبيحة الشرسين.
عقد الأستاذ مع رئيس رابطة المشجعين اجتماعاً مغلقاً، أفهمه فيه أن بإمكان الرابطة أن تفعل ما يحلو لها بعناصر الفريق الخصم والجمهور المرافق له، من ضرب، وسباب، وبصاق في الوجوه، وقذف بالحجارة، بعد انتهاء المباراة.. هذا إذا كانت المباراة تجري على ملعبنا، ولكن إذا كانت تقام في محافظة أخرى، يجب أن تكونوا هادئين، عاقلين، لئلا يستفرد بكم مؤيدو الفريق الخصم، ويستضعفوكم ويضربوكم، ولكن عليكم أن تنتظروا حتى يأتي دورهم ليلعبوا عندنا، ووقتها لا أقبل منك أن يمشي هؤلاء (بعد القَتلة) على أقدامهم مثلما يمشي البشر، أريدهم أن يزحفوا على أربع قوائم زحفاً، مثل الكرارة عندما تتزحلق وتقع في الحفر الموحلة..
قال الشبيح رئيس رابطة المشجعين: أستاذ، ليش ما منعمل كمان قتلة لحكم الساحة وحكام التماس والحكم الرابع قبل كل مباراة؟ عندما نخبطهم القتلة سيعرفون أن الله حق، وأن مخاصمة الأستاذ وفريق الأستاذ ليس سهلاً، وأكيد سيتركوننا نربح المباراة مثل الذين كفروا.
صُدم الأستاذ بهذا الكلام، وغضب، ورفع يده وكاد أن يهوي بها على وجه الشبيح، وقال له: ولاه أنت كرّ عادي، ولا كرّ مكرر؟ بحضي بديني لولا الحيا والعيب لحتى أشيل عيونك بأصابيعي.
قال الشبيح مندهشاً وخائفاً: أنت تأمر وتمون على رقبتي يا أستاذ. لكن أرجوك أفهمني؛ لماذا أنت غير موافق على تأديب الحكام لكي يحكموا لمصلحة فريقنا؟
قال الأستاذ: لأن الحكام من اختصاصي أنا. فهمت؟
قال الشبيح: فهمت أستاذ.
فعل الحكم عكس الاتفاق الذي أبرمه مع مندوب الأستاذ. قام بالتحكيم بكل دقة ونزاهة، وهذا ما أدى إلى طرد لاعِبَيْن من سين، وحارس المرمى، والمدرب الواقف على الخط، وانتهت المباراة خمسة صفر لصالح الخصم
وبالفعل، استلم الأستاذ ملف الحكام بنفسه. التقى، في الشاليه، بأحد المسؤولين الرياضيين في المحافظة، لاطفه وسايره، وقدم له كأساً من الشمبانيا، وأفهمه أن الفريق "سين" سيصعد هذه السنة إلى دوري الدرجة الأولى، إما بالحُسنى، أو بالصرماية (الحذاء الرخيص).
ثم قال له: أنا والله ما بحب يطلع فريقي للدرجة الأولى بالصرماية. إذا طلع بالحسنى أحسن. ما أحسن؟
قال الرجل: أحسن بكتير يا أستاذ.
قال الأستاذ: بدي أخلي الصرماية على جنب، لعند لزومها. منشان هيك بدي منك تعطيني فكرة عن الحكام المعتمدين في بلدنا. مين منهم كَيّس، ومين كرّ؟
قال الرجل: نحن وقت المباراة نتفرج على القرارات التي يصدرها الحكام على أرض الملعب، وبالنتيجة نقول هذا الحكم تحكيمُه منيح، وهذا الحكم تحكيمه ضعيف. وأظن أنت تقصد شيء آخر يا أستاذ.
قال الأستاذ: صحيح، أنا أقصد شي تاني. خليني بالأول أحكي لك عن الفرق بين التنين من وجهة نظري. الحكم الكَيّس هو الذي نتفق معه، ونكرمه، ونهدده، وهو يستوعب الدرس، وينزل إلى أرض الملعب، ويتصرف على أساس أنه حكم عادل، وبالأخير يجعلنا نربح، أو نتعادل، دون أن ينتبه عليه أحد. والحكم الكر المكرر هو الذي يُحَكّم بين فريقين من الدرجة الثانية بسورية، ويظن نفسه أنه يحكّم نهائية كأس العالم بين البرازيل وألمانيا.
قال الرجل: فهمت عليك أستاذ. وأنا سأكتب لك، الآن، أسماء عشرة حكام (كيسين) تقدر أن تتفاهم معهم بدون مشاكل.
سارت الأمور على ما يرام بخصوص التحكيم. تمكن مساعدو الأستاذ من الوصول إلى سبعة حكام من أصل العشرة الذين اقترحهم المسؤول الرياضي، عقدوا مع كل واحد منهم اجتماعاً توصلوا فيه إلى اتفاق سري، يقضي بأن يساعد الحكمُ فريقَ الأستاذ، ويمكّنه من (سَحْق) الفريق الخصم إذا كان من الفرق الضعيفة، والفوز بصعوبة أمام الفرق الجيدة، والتعادل مع الفرق الأربعة التي تتنافس على بطولة الدوري، شريطة أن يبقى الفريق سين، في المحصلة، متقدماً على الجميع، ولا يبقى له منافس يستحق الذكر. وليس شرطاً أساسياً أن تتعلق الصفقة بالمباريات التي يكون فيها الفريق سين طرفاً، ممكن أن يلعب الفريق المنافس لـ سين مع فريق آخر، وهنا يجب على الحكم جعل الفريق الآخر يفوز على المنافس، ليتراجع عدد نقاطه بالمقارنة مع عدد نقاط الفريق سين.
حادثة واحدة نغصت على الأستاذ معيشته، فبلغ قمة الغضب.
الحادثة، كما سمعتها، تتلخص في أن أحد حكام الدرجة الأولى كان رجلاً رياضياً، متشبعاً بالأخلاق الرياضية الكريمة، وهو من أنصار ما يسمونه الـ (FAIR PLAY)، أي اللعب النظيف، سمع خلال جلسة مع بعض لاعبي الدوري وبعض الحكام، حكايات تشيب لهولها الولدان عن التصرفات الاستبدادية التي يرتكبها الأستاذ وعناصرُ فريقه في الملاعب أثناء المباريات، منها أن لاعب الوسط في الفريق (س)، تعمد، في إحدى المباريات، استفزازَ لاعبي الفريق الآخر، فكلما مر به أحدهم يهمس له بسباب على ما يخصه من نساء، فيغضب اللاعب، ويلعب بعصبية وعدوانية فيتعرض للعقوبة، حتى انتهت المباراة بطرد اثنين من الفريق الآخر، بسبب سوء سلوكهما، ورفع الحكم البطاقة الصفراء لثلاثة منهم، وكان الحكم، بطبيعة الحال، خائفاً من رد فعل الأستاذ، فلم يجرؤ على إنذار لاعب وسط فريق "سين" المشاغب، على الرغم من أنه سمعه بأذنه وهو يسب لاعباً من الفريق الآخر.
المهم، قرر هذا الحكم المتشبع بالأخلاق الرياضية التضحيةَ بنفسه في سبيل المبادئ الرياضية، وأراد أن يلقن الأستاذ وفريقه درساً تاريخياً.. ومن أجل تنفيذ قراره توسط لدى رئيس دائرة الحكام المركزية، فأفرزه لتحكيم المباراة قبل الأخيرة من مباريات سين في دوري الدرجة الثانية.
كانت المباريات تقام يوم الجمعة. يوم الثلاثاء عرف مرافقو الأستاذ اسم الحكم، فأرسلوا له أحدهم ليفاوضه ويعقد معه صفقة. صاحبنا الحكم الذي أصبح يعرف كل شيء عن طبيعة الأمور طلب مبلغاً من المال أكبر مما يُدفع عادة مقابل أن يضمن لهم الفوز. وافق مندوب الأستاذ، ودفع له ما طلب بحماس، لأن الفريق سين إذا ربح هذه المباراة ستصبح بطولة الدوري مضمونة بنسبة 100%.
على أرض الملعب فعل الحكم عكس الاتفاق الذي أبرمه مع مندوب الأستاذ. قام بالتحكيم بكل دقة ونزاهة، وهذا ما أدى إلى طرد لاعِبَيْن من سين، وحارس المرمى، والمدرب الواقف على الخط، وانتهت المباراة خمسة صفر لصالح الخصم.
(للسالفة تتمة)