دروس وعبر من زلزال المغرب
كشفت أحداث زلزال الثامن من شهر سبتمبر/أيلول 2023، الذي ضرب المغرب، عن عدة حقائق تدعونا جميعا للتفكير في مراجعة خياراتنا وإعادة النظر في سياساتنا. لكن ما يهمني في هذا المقام هو الوقوف عند بعض الدروس والعبر التي استقيناها من تطورات هذا الزلزال المدمر.
إن أخبار وصور التطوع الإنساني والدعم الشعبي أبهرت العالم، كان أبطالنا مغاربة من فئة الشباب على وجه التحديد، أبدع أصحابها في أساليب وأشكال التدخل لانتشال الضحايا ودعم المصابين عبر قوافل التضامن العديدة، التي جاءت من مختلف جهات المملكة المغربية صوب مناطق مولاي إبراهيم وشيشاوة وتارودانت.
لقد تجند شباب المغرب بطواعية بشكل منقطع النظير لدعم ضحايا زلزال الفقراء، من خلال تنظيم محكم لمختلف مبادراتهم الاجتماعية التي نالت إعجاب المجتمع الدولي لبعدها الإنساني الصرف، وكذلك تفاعل المغاربة الذين أفرغوا بشكل تلقائي متاجر كبيرة من المواد الغذائية والألبسة، ونظموا قوافل لسياراتهم محملة بالمواد واللوازم الضرورية وغير ذلك، منها حتى أطعمة خاصة بالقطط والكلاب، وتوجهوا صوب المناطق المتضررة. إضافة إلى تطوع أطباء وممرضين وأطر ينتمون إلى المهن الصحية للانخراط في مواجهة هذه الكارثة الطبيعية، فضلاً عن توجه شباب إلى المناطق المتضررة من زلزال الثامن من شتنبر (أيلول) لدعم جهود السلطات المغربية لإنقاد ما يمكن إنقاذه.
وإن صور طوابير من المغاربة نساء ورجالاً ينتظرون دورهم في مراكز تحاقن الدم التي خصصتها الدولة للتبرع لفائدة الضحايا تناقلتها كبريات القنوات الدولية، مجسدة بذلك روح قيم التضامن والتعاون والإحساس بالآخر، كقيم إنسانية ليست غريبة عن الشعب المغربي، ولم تنقرض، بل إنها متجذرة بقوة في تربة واقعنا.
لقد تجند شباب المغرب بطواعية بشكل منقطع النظير لدعم ضحايا زلزال الفقراء، من خلال تنظيم محكم لمختلف مبادراتهم الاجتماعية التي نالت إعجاب المجتمع الدولي لبعدها الإنساني الصرف
كما أكدت هذه المشاهد أن الأمل المعقود على الجيل الحالي من الشباب رهان كبير جداً في بناء مغرب جديد تغيب فيه الفوارق المجالية، وينعم فيه الجميع بالتنمية المستدامة، ويعلو فيه صوت القانون، ولا شيء غيره، وتسود فيه لغة المؤسسات ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن ما يهمنا هو الوقوف عند مبادرات اجتماعية لشباب تفاعل بشكل قوي مع نداء انساني وطني، وخلفت صوره انطباعاً قوياً، عكسته وسائل الإعلام الدولية التي تتابع تطورات هذا الزلازل العنيف الذي دمر دواوير بأكملها في المغرب العميق، ولم يترك وراءه ضحايا بشرية وخسائر مادية فقط، بل مسّ عمق المغرب الثقافي والديني من خلال آثار تاريخية تشهد على عراقة تاريخنا الطويل.
لقد اتخذت الدولة إجراءات وتدابير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودعم الضحايا وجبر ضرر المصابين، وإخراج المناطق المتضررة من الزلزال من الحالة المأساوية التي تعيشها، كما قام الملك محمد السادس بزيارة بعض المصابين بـ"المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس"، والتبرع بالدعم كمبادرة تحمل دلالات قوية تشكل دعما معنويا للمصابين وذويهم، وتعزز مختلف المبادرات التي قامت بها الدولة في هذا الاتجاه.
لكن الأكيد أن ما لفت انتباه الرأي العالم الدولي أكثر هو جهود المغاربة، خصوصا الشباب، من خلال مبادرات فردية وجماعية منظمة وعقلانية لتقديم الدعم والمساندة عبر أشكال مختلفة، جعلت العديد من المتتبعين والمراقبين الدوليين للشأن المغربي يعتبرون أن المغاربة وحدهم، بالاعتماد على طاقاتهم البشرية الشابة، لهم القدرة على مواجهة الصعاب ورفع التحديات، كيف لا ونحن عشنا مجموعة من المحطات التاريخية أثبت فيها الشعب المغربي أنه شعب التحدي بامتياز.
رحم الله كل الأرواح التي سقطت جراء هذا الزلزال العنيف والمدمر، ومواساتنا القلبية الصادقة لذويهم، ودعمنا للجرحى والمصابين، وشكرنا لشباب المغرب الذي أبهر بما قدمه من مبادرات تطوعية نبيلة، وشكرنا كذلك للمجتمع الدولي على دعمه المتواصل، المادي والمعنوي منه، وتضامنه المعبر والقوي مع ضحايا زلزال الثامن من شهر سبتمبر.