رجل أفقدَ زوجته حاسّة السمع
أنا، محسوبكم، أقدم قصصي وحكاياتي بأسلوب بسيط، ولا أسمح بأي نوع من الغموض يتسلل إلى ثنايا ما أكتبه، وأستاء من الكتابات المليئة بـ"التقعر اللغوي" و"الفذلكة"، وحينما أقدم مادة تلفزيونية، بالعامية، يصبح اهتمامي بالتبسيط زائداً.. ومع ذلك ينبري لي أناسٌ يقولون لي، مع نبرة سخرية واضحة: لم نفهم المقصود!
مثلاً: قدمتُ، ضمن سلسلة "حديث أبو المراديس" التلفزيونية، حكاية رجل يُدعى أبو تركي كان يجلس في المقهى ويتباهى على أقرانه بأن امرأته أسوم هي المرأة الأكثر طاعة لزوجها على مستوى العالم. أسوم امرأة لا تكتفي بأن تقول "اللبن أسود" إكراماً لزوجها الذي زعم أن اللبن أسود، بل هي مستعدة لأن تلبي لزوجها أكثر الطلبات تفاهة. وفي ذات ليلة قيل له إنك، يا أبا تركي، تبالغ، وتتمنفخ، فقال لهم: "الماء يكذب الغطاس"، ودعاهم لزيارته في بستانه حيث يمضي الصيف مع أسرته، ليروا، على أرض الواقع، كيف تطيعه أسوم، وتلبي أوامره دون تردد أو تذكر.
الأصدقاء قبلوا التحدي، وذهبوا لزيارته. وبالفعل رأوا العجب العجاب، فأسوم كانت تفتل، أثناء تقديم خدماتها لضيوف زوجها، مثل الماكينة المزيتة، تمد المفارش، وترتب المكان، وترش الأرض بالمياه، وتأتي بكل ما يلزم لواجبات الضيافة، وفي الوقت نفسه أعلت قدور الطعام على النار.. وأبو تركي يزداد منفخة وتطنيباً، ويشرع بإصدار أوامر سخيفة، كأن يشم كاس الشاي، ويمتعض، فتهرع أسوم وتسحب كؤوس الشاي من أمام الضيوف، وتغلي إبريقاً جديداً من الشاي وتأتي بكؤوس تتلامع تحت الضوء مثل جنح الدبور، وفي آخر فصول النذالة التي كان يرتكبها أبو تركي قال لها:
- امتحي ماءً من البئر واصعدي إلى السطح وأفرغيه في المزراب ليعود إلى البئر!
فامتثلت أسوم للأمر وأصبحت تنفذ العملية العبثية دون أن يظهر عليها أي ضيق، إلى أن غضب أحد الحاضرين واسمه (أبو فلان) وصرخ في وجه أبو تركي مؤنباً، وزعل منه، وقال لأسوم:
- إنني أعتذر لك باسمي الشخصي، ولو كنت مفوضاً من الحاضرين لاعتذرتُ لك باسمهم.
وغادر المكان، وعندما حكى ما جرى أمامه لزوجته "أم فلان" ضحكت، وقالت له أنت اعتذرت لأسوم وتظن أنها سَمِيعة ولكنها، للأسف، طرشاء.. وشرحت له أنها في الأصل لم تكن كذلك، ولكن أبو تركي "طَرَشَها" من كثرة الضرب بكفه الغليظة على وجهها وأذنيها، وهي الآن تخدم أبو تركي بهذه الطريقة الأوتوماتيكية لأنها تخاف على حواسّها الأخرى من أن تلحق بحاسّة السمع.
بعد نشر الحلقة على صفحات التواصل الاجتماعي كتب أحدهم متسائلاً:
- ما هو المغزى من هذه الحكاية؟
ورد عليه آخر: أي والله، أنا طرحت نفس السؤال على نفسي. يعني ليش هذا خطيب بدلة روى هذه الحكاية؟
ويبدو أن هذا الأخير شخص مهم جداً يستثمر الوقت ضمن سياسة الحد الأقصى، فأضاف:
- أسفي على الدقائق الخمس التي أضعتُها في مشاهدة هذا الفيديو!
أما أنا فأكاد أجزم أن معظم الذين زعلوا من الفيديو يشبهون أبا تركي من حيث المنفخة، والنذالة، والاستعلاء على المرأة.