زخرفة
لقد بدأت الحرب منذ سنة ولا تريد أن تنتهي، وها قد اقتحموا البلدة ليلة أمس.. تحدث الزوج بهدوء كما لو أنه يقول "لقد أحضرت الخبز". هكذا كان دائماً، شخصاً هادئاً ورزيناً بخلاف زوجته التي كانت صاخبة ومضطربة على الدوام.
- عزيزي! لا تمت!
نظر إليها بدون مبالاة وقال: هل ظهر حس الدعابة الخاص بك أخيراً؟
- لا! أنا خائفة فعلاً!
نظرت إليه بعيون تكاد تتفجر دمعاً وهي تعتصر المنشفة بيديها. وأضافت وهي تجلس بجواره: لا أريد أن أفقدك!
- يا لك من أنانية.
قال ذلك وأعاد عينيه إلى الصحيفة لكنه لم يتمكن من القراءة، إذ أرغمه ردها على النظر إليها: أنا! أنانية!
- أجل - رد بهدوء، ثم تنهد وأردف - أتعرفين مقدار الراحة التي سأحصل عليها لو متُّ؟
- ألا تحبني! همست بحدة.
- بلى، أحبك.
- كان يرغم نفسه على إخفاء انزعاجه من طريقة سير المحادثة كي لا تلاحظ زوجته ذلك.
- لم تقول هذا إذن يا عزيزي؟ تحولت نبرتها إلى الرقة فجأة.
فكر في أنها كانت هكذا على الدوام، ابتسم وقال: يمكنك أن تكوني أسعد وأقل اضطراباً إن توقفت سعادتكِ على..
كان دائماً يفاجأ من تحولاتها حتى بعد سنوات الزواج العشر التي أمضاها معها، عشر سنوات دون أبناء! كم كان يتمنى طفلاً يشغله بصراخه عن أرقه ليلاً! هل كانت أمنيته هذه أنانية منه؟ وإن يكن! فهو ليس ملاكاً، كما أنها لم تتحقق على أي حال.
- عزيزتي، لا توجد هناك علاقة لحبكِ بالأمر. الأمر هو أني لست مثلكِ، تدور في عقلي أشياء كثيرة غير الحب.. ربما أهم منه.
ندم مباشرة على عبارته الأخيرة، وتمنى لو أنه ابتلعها، فزوجته لم تكن تستحق كلاماً قاسياً كهذا. توتر قليلاً خلال الثواني التي حملقت فيه، وفكر في أن الشيء الوحيد الذي تمناه حين علم أن الحرب بدأت هو أن تتوقف هذه النقاشات الصباحية جراء كلمة ينطقها سهواً، لكن لم تتحقق أمنيته كباقي أمنياته. إنما أضافت الحرب طعماً لاذعاً لها فحسب.
- يا رجل! حياتك مملة!
- وحياتكِ عذاب يا امرأة.
- لماذا؟
- لأن سعادتك تعتمد على وجود من تحبين.
- وما الضير؟ ألست معذباً كذلك؟ وفوق ذلك لا يخفف عنك وجود شخص معك.
- في هذه أنتِ مخطئة.
ابتسمت وردت دون أن يمنعها اعترافه من الفوز في النقاش: لكنك لا تكون سعيداً جداً بخلافي.
فكر في أنها كانت هكذا على الدوام، ابتسم وقال: يمكنك أن تكوني أسعد وأقل اضطراباً إن توقفت سعادتكِ على..
قاطعه صوت قوي من الخارج، أمسكت بيده ونظرت إليه بخوف. فكر في الليالي التي أمضاها يحدق في صورتها حين كان في الخدمة العسكرية الإجبارية. ولوهلة كان ممتناً لأن إصابته خلال خدمته أدت إلى عرج دائم في قدمه اليمنى أبعدته عن صفوف القتال. وها هو الآن يحدق في عيني زوجته، ويشعر بدفء يديها بدلاً من أن يكون في الخارج يقتل الناس. خطرت في باله فكرة لو أنه مات الآن فلن يكون حزيناً، بل سيكون أقل الأشخاص بؤساً في هذه البلاد.
ازداد قوة القذائف فصرخت: لا تمت يا عزيزي!
- يا لك من حمقاء!
- ربما لهذا أحببتني.
ضحك ورد بينما يحتضنها: غالباً!
شعر بأنفها على صدره بينما كان يتأمل السقف، تلك الزخرفات الجميلة التي أصرت زوجته على رسمها هناك لتتمكن من تأملها وهي مستلقية قبل أن تغفو، لم تكن تساعده أبداً على النوم. ها هي الآن تتفتت وتسقط عليهما وتنجح في ذلك أخيراً.