سمر رمضاني... اربح مليوناً خلال سنة (5)
قال أبو الجود: أتذكرُ، في مطلع هذه السهرة الرمضانية، بيتاً من الشعر قاله الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، وهو، في رأيي، ينطوي على منتهى الحكمة ورجاحة العقل، هو:
فمن يك ذا فضلٍ ويبخلْ بفضله.. على أهله يُسْتَغْنَ عنه ويُذمَـمِ
والفضل الذي أقصدُه يتعلق بالخبرة والمعرفة، فمن كان لديه قدرٌ من الفضل ما عليه إلا أن يسكبه أمام أهله لا يبغي من ذلك جزاء ولا شكورا. فمثلاً، أنا وصديقي أبو سلوم لدينا خبرة طويلة تصل إلى مستوى أكاديمي رفيع، في مجال قلة الدخل وارتفاع الإنفاق، وأنا بدوري أشعر بالتقصير حيالكم لأنني لم أضع أمامكم خبرتي كلها، فلا تؤاخذوني، ولا تتهموني بالبخل، ولا تستغنوا عني، ولا تذموني.
قال أبو سلوم: لدي تعليق على كلام أبو الجود. تسمحون لي؟
قلت: إن سمحنا لك وإن ما سمحنا لك، بدك تحكي. تفضل.
قال: أنت تعرف يا أستاذ خطيب أن الشتاء في قريتنا جميل دائماً، لأن السماء تروي غليل الأرض بالمطر، والفلاحون بمجرد ما تمطر ينبسطون وتصبح ضحكتهم بعرض شبر، وربما أكثر، طبعاً أنا أقصد الفلاحين الذين يمتلكون مساحات مزروعة أو مشجرة، وليس مَن كان مفلساً مثلي.. ولكن، وعلى الرغم من أهمية المطر، فهو ينقع أزقتنا المتربة، ويحولها إلى طين، ونحن الطفرانين نمشي ونتزحلق، وينقلب الواحد منا على قفاه وترتفع ساقاه إلى الأعلى غريزياً بقصد التوازن، ويصبح من حق اللي يسوى واللي مـا يسواش أن يضحك علينا. هذا ما نستفيده نحن الطفرانين من هطول المطر!
ابتسم خالي فارس وقال: أشهد أن "أبو سلوم" إنسان (عَلاك)، ولكن علاكه جميل! طيب قل لي يا أبو سلوم، ما علاقة الكلام الذي قلتَه بما استهلَّ أبو الجود حديثه به؟
قال أبو سلوم بثقة:
- حاضر يا أبو محمد. يا سيد، في قريتنا المحروسة، حينما تصبح الأزقة موحلة، ماذا يقولون في الأمثال والتشابيه؟ ألا يقولون: الأزقة موحلة إلى درجة أن البط لا يستطيع عبورها؟
قال الخال فارس: بلى.
قال أبو سلوم: وهذا ما حصل معنا في ليلة الأمس، فبمجرد ما فتحنا سيرة (التوافق بين الدخل المادي والإنفاق)، ازدحمت سكة الحديث، وأوحلت حتى لم يعد بإمكان البط أن يعبرها! وأنا شخصياً طلبت الإذن بالكلام ثلاث أربع مرات، فعاملني الشباب بعدم الاكتراث، فما كان مني إلا أن أطلقت تثاؤباً خرج من قحف رأسي، وغادرت السهرة إلى البيت، هذا مع يقيني الجازم بأن انشقاق الفم من فرط التثاؤب هنا، أهون بكثير من متابعة السهرة مع زوجتي، خاصة أنها، بمجرد ما حل بنا شهر رمضان وهي تنق وتطلب مني طلبات هي نفسها تعرف كم أنا عاجز عن تلبيتها.
قال الخال فارس: طيب، إذا كان الحكي بالدور، فأنا سأعطي دوري لأبو سلوم. شرف يا أبو سلوم، الحديث لك.
قال أبو سلوم: سوف أحكي لكم حكاية الرجل الذي اشترى طقماً فربح فيه 3250 ليرة سورية.
قال الخال عموري مندهشاً: كيف ربح؟ أنت قلت اشترى، لم تقل إنه باع، والربح لا يكون إلا بالبيع.
قال أبو الجود: نعم، اشترى. إنه جاري في البناية، وقد اشترى طقماً من الباله بمبلغ 750 ليرة، وفرح به كثيراً، إلى درجة أنه، بعدما عرضه على أهله ومعارفه، وأخذ رأيهم في تفصيله ومنظره، سحب زوجته وجاء ليسهر عندنا، محضراً الطقم معه. وأنا سألته السؤال نفسه. قلت له: كيف ربحت مع أنك اشتريت؟ فاستوى جالساً بعدما كان متكئاً وقال لي:
- يا سيدي، أنا حسبتها بدقة، وبواسطة الآلة الحاسبة، فوجدت ما يلي: الطقم الجاهز الذي يُباع في المحلات التجارية ثمنه 4000 ليرة سورية، مع إشارة واضحة إلى أن السعر ثابت، وكذلك فإن من يريد أن يخيط طقماً عند الخياط فإن تكلفته هي 4000 ليرة، فإذا طرحت المبلغ الصغير من الكبير تجد أنني ربحت 3250 ليرة بالتمام والكمال!
ضحكت وقلت لابو سلوم: بسيطة. أنا، الشهر الماضي ربحت 25 ألف ليرة عداً ونقداً.
فدهش وقال لي: يا لطيف! كيف؟
قلت: احسب معي إذا سمحت. مصروف الطعام في أسرتي وسطياً هو عشرة آلاف، ولأننا لم نأكل طيلة الشهر فقد وفرنا المبلغ. علي فواتير بنك وهاتف وكهرباء وماء بتسعة آلاف لم أدفعها، صاروا تسعة عـشر ألفاً، زوجتي طلبت مني أن أشتري لها معطفاً قيمته ستة آلاف، فلم ألب طلبها، اجمع المبلغ تجد أنه 25 ألفاً.. وفي الحقيقة أن الواحد إذا استمر أربعين شهراً على هذا المنوال فإنه يربح مليون ليرة. احسبها على مهلك!