سمر رمضاني في إسطنبول (4)
استهل أبو الجود سهرة الإمتاع والمؤانسة بقوله إنه لم يشأ أن يقطع علينا تسلسل حكاياتنا، أو يفسد علينا متعتنا بالكلام وسرد المعلومات، ولكن إحدى الأفكار التي تحدث بها الأستاذ كمال استوقفته، وهي فكرة الإعلانات التجارية التي تدخل في سياق الحلقة التلفزيونية فتفسد على الناس الفرجة، وتجعلهم -على قولة المثل- يخرجون من جلودهم. وأضاف أن منغصات الفرجة التلفزيونية كثيرة، ولا تقتصر على الإعلانات التجارية.
سأله كمال: متل أشو؟
أبو الجود: نشرات الأخبار، والبرامج السياسية. أنا من زمان، قبلما يصير فيه ساتلايت وفضائيات كنت كلما تابعت مسلسل، ويطلع لي نشرة أو تحليل سياسي، أعصب، وإطلع عن طوري، وأضرب ولادي بالقشاط.
ضحكت حنان وقالت: وشو علاقة ولادك بالموضوع؟
أبو الجود: بكون أنا عم أتابع المسلسل، وما منشوف غير طفيت الكهربا، مثلاً، بوقتها أنا بعصب، وبنقهر، بينط واحد من الولاد بيحكي كلام بايخ، بسحب القشاط من كمر البنطرون وبضربه، ولأنه الجو بيصير معتم أنا ما بعرف وين بيجي الضرب، ومرة كنت عم إضرب جواد نزل القشاط على راس أخته المسكينة زهراء، يوميتها أخدتها لعند الدكتور عادل، وخيط لها تلات قطب في راسها.
أبو جهاد (متهكماً): ما شاء الله شقدك فالح. خيو، وأشو هوي الكلام البايخ اللي حضرتك بتضرب ولادك منشانُه؟
أبو الجود: أي كلام بيحكيه الولد في هالوقت بيكون بايخ. بيقلي مثلاً: طول بالك ياب هلق بتجي الكهربا.
أبو جهاد: هادا كلام كويس، مو بايخ.
أبو الجود: أنا قاعد في البيت ما أشوف غير جاية لعندي عمي، أبوها للست أم الجود. قعدنا أنا وهوي لحالنا
أبو الجود: بايخ ونص.. يا رجل، قسماً بالله العظيم اللي طفا الكهربا نفسه ما بيعرف أيمت راح تجي، بقى إبني بده يعرف أيمت بتجي الكهربا؟ ليكها أم الجود موجودة معنا، اسألها لما كنت عم أتابع مسلسل "فارس ونجود" أشو صار في دارنا؟
اتجهت الأنظار إلى أم الجود، فقالت: أنا ما بدي إحكي. خلي هوي يحكي. إنته يا أستاذ كمال مو بتقول إنه أبو الجود أحسن حكواتي في البلد؟
كمال: نعم، بقول هالحكي، وما بتراجع. تفضل أبو الجود، احكِ لنا..
أبو الجود: كنا عم نتفرج ع المسلسل، والأمور ماشية بأمان الله، ما نشوف غير نط لنا حافظ الأسد. ما بعرف بهديكة الأيام أشو نوع البطولة اللي كان عاملها حافظ لحتى بلشوا يحتفلوا فيه كل هالقَدّ.. يمكن كان محرر الجولان وشقفة من فلسطين، وقاعد عم يفكر شلون بده يخلي إسرائيل تكره عيشتها وتشمع الخيط وتطلع من بلادنا. كان وقت المسلسل حسب البرنامج، الساعة تسعة وربع، نفتح التلفزيون ع الموعد، نلاقي نشرة الأخبار لساتها شغالة، وعم ينتقلوا من محافظة لمحافظة، والناس في هالمحافظات المسكينة شايلين بعضهم ع الأكتاف (طابقين)، وعم يلوحوا بالأعلام والصور، وراكضين في الشوارع.. تتأخر النشرة للتسعة ونص، أنا قول لحالي (هلق بتطلع الحلقة)، وأسكّت الولاد، وأتبسمر قدام التلفزيون، ما أشوف غير طلع برنامج اسمه "أضواء على الأحداث"، والأحداث أشو هيي يا حزرك؟ نفس الأحداث اللي شفناها في الأخبار، حافظ الأسد والمسيرات (الطابقين) والناس اللي شايلين صور وراكضين في الشوارع، يا إما يطلع برنامج اسمه "التقرير الجَوَّال"، بيطلع لنا فيه مذيع حواجبه كبار، إسمه رجا فرزلي، وبيبلش يلعي، يا إما يطلع مهرجان خطابي، والخطباء مصفوفين ورا بعضهم -متل صرامي العيد- وكل واحد منهم لابس طقم وكرافة وساحب ورقة أكبر من ملحفة اللحاف، وهاجم ع الميكروفون بطريقة قاتل أو مقتول، وأوقات يخلصوا من كل هالعلاك، وأنا أقول لحالي هلق بتطلع حلقة فارس ونجود، وما نشوف غير حطوا مجموعة أغاني، يا سلام، يعني هلق راح ننطرب ونخلص من شوفة حافظ، ما نشوف غير مطربين عم يغنوا لحافظ الأسد، أو عم يغنوا في الشارع، وصور حافظ معلقة ع الحيطان..
أبو محمد: لهلق ما حكيت لنا أيش اللي صار في الدار..
أبو الجود: حضرتها أم الجود المحترمة شافتني زعلان ومعصّب، فطالعت كل الذكا تبعها دفعة وحدة، قالت لي: ما حاجتك تعصب وتنقهر وتضرب الولاد بالقشاط؟ خيو بلا كل هالمسلسل، روح اطلاع واسهار مع رفقاتك والعبوا شدة.
أنا طق عقلي، قلت لها: إنتي مو أم حنونة وبتضحي في سبيل ولادك؟
قالت لي: أي نعم، أنا بضحي منشان ولادي.
قلت لها: عال، لكان راح إضربك إنتي بالقشاط بدل الولاد!
قالت لي: الحكي معك ضايع.
وراحت على غرفة النوم، ضبت البقجة تبعها، وقالت لي: أنا ما راح إرجع ع البيت لحتى يخلص هالمسلسل اللي سودت عيشتنا منشانه.
قلت لها: عن أي مسلسل عم تحكي؟ مسلسل فارس ونجود، ولا مسلسل حافظ الأسد ورجا فرزلي؟
حنان: بصراحة يا أبو الجود؟ لا تزعل مني. ترى الحق عليك أنت مو على الست أم الجود.
أبو الجود: أنا بعترف أن الحق علي. بس مو هاي القصة يا ست. أنا لحد هلق ما حكيت لكم القصة الحقيقية.
أبو محمد: وأشو مستني؟ تفضل.
أبو الجود: لو أم الجود مانها هون كنت بحكي القصة، أما هلق إذا حكيتها بخاف تزعل.
ابتسمت أم الجود، وكانت على وشك إنها تضحك، وقال: لا معليشي، هلق القصة صارت قديمة، وما في مانع إنك تحكيها.
أبو الجود: بقيت أم الجود حردانة في دار أهلها أكتر من شهر، بالأول خلص مسلسل فارس ونجود، بعدين خلص مسلسل حافظ الأسد والتقرير الجوال، والولاد لما شافوني روقت صاروا يترجوني إني أروح على دار عمي، أراضي أم الجود وأجيبها ع البيت.
أبو ماهر: طلعت روحنا أبو الجود. شو اللي صار بعدين؟
أبو الجود: أنا قاعد في البيت ما أشوف غير جاية لعندي عمي، أبوها للست أم الجود. قعدنا أنا وهوي لحالنا.
قال لي: شوف يا أبو الجود، هاي المشكلة بدها حل، إذا بدك تطلق بنتي قلي، وإذا بدك ترجعها لبيتها قوم جيبها وتعال.
قلت له: له يا عمي. أنا بطلق مرتي أم ولادي؟ مستحيل. طبعاً بدي أرجعها. بس بدي منك شغلة إذا بتساعدني فيها بكون ممنونك.
قال لي: تفضل.
قلت له: أنت بتعرف "بطيحان" اللي بيمثل في مسلسل "فارس ونجود؟
قال لي: بعرفه.
قلت له: مرتي لما منكون في البيت عم تحط على راسها قطعة شاش بيضا، وأنا كلما التفتت وشفتها حاطة هالشاشة على راسها بقول لحالي (أيش جاب بطيحان لعندنا ع الدار؟)..