سمر رمضاني... منحوس وعلاك وظريف (2)
في إحدى ليالي رمضان، الموافق لسنة 2005، استهل أبو سلوم جلسة السمر واصفاً نفسه بأنه واحد من الرجال العلاكين، الطفرانين، المناحيس الذين يُشَرِّقُون خلفَ الرزق والرزق يُغَرِّب، وإذا تاجر أبو سلوم بالأكفان يُقْلِعُ الناس عن الموت، والذين كانوا أمواتاً يعودون إلى الحياة بمعجزة إلهية.
لهؤلاء العلاكين، برأيه، حق وأفضلية في الكلام ضمن السهرات العامة، فالرجل الغني، المرتاح، الذي تخلو حياته من المشاكل، إذا حكى، أيش بده يحكي؟ ما في شي في حياته يستحق أن يُحكى عنه.
ضحك الأستاذ كمال الطبنججي وقال: يذكرني كلام أخينا العلاك أبي سلوم بكتاب "ضرورة الفن" لإرنست فيشر، ولكن بطريقة أخرى.
قال الخال فارس: أحذرك يا أستاذ كمال الطبنججي من التفلسف. نحن جماعة عقولنا بسيطة، خلينا نفهم المقصود بكلام أبو سلوم الله يرضى عليك.
وقال لأبو سلوم: إحكِ لنشوف.. (وممازحاً) ان شا الله تحكي من وجع ضرسك!
قال أبو سلوم: في يوم من الأيام، يا حاج فارس، اشتهيت على أكلة كبة مشوية، فتحايلت على الموضوع، ووفرت شوية مصاري، واشتريت شوية لحم وشحم وبرغل وفليفلة، وتسللت إلى البيت، سلمتها لأم سلوم، وقلت لها أنا رايح إقعد في المقهى، وبحدود الساعة تلاتة سأُحضر معي سطلاً من اللبن وآتي، لنأكل وننبسط مثل السادة الزناكين الأغنياء.
في الطريق إلى المقهى التقيت بشقيق زوجتي أبو إبراهيم، وسألني عما كنت أحمل بيدي، فكذبت عليه، وقلت له: كان معي صوبيا عتيقة مكسورة أخذتها للتصليح. فارتاب بأمري، وأحسستُ من نظراته أنه قرر أن يعمل بي مقلباً. وهذا ما حصل بالفعل، فقد انتظر أبو إبراهيم زمناً يكفي لاستكمال صنع الكبة، واتصل بزوجتي أم سلوم وقال لها بلهجة مخيفة إن زوجها، يعني أنا، كان يتحدث في السياسة، وأدلى بتصريح ضد الأمن والقيادة الحكيمة فجاءت دورية مخابرات وأخذته.
خافت زوجتي وغضبت وصرخت في وجه أخيها أن اسكت، لا تقل هذه الأشياء على التلفون، لأن الخطوط مراقبة، وتعال ابحث لي عنه، فجاء هو وحماتي وابنة حمي سميرة إلى عندنا ليشاركوها قلقها عليّ. ثم إن أم سلوم اتصلت، كما علمتُ لاحقاً، بأهلي، فجاءت أمي وأخي نسيم ومعه زوجته وأولاده الثلاثة، أضف إلى ذلك أن جارتنا سمر غالباً ما تقف مع زوجتي في المواقف الحرجة، فجاءت هي الأخرى.
قال الخال عموري: يا ريت المخابرات أخدوك بجد، وليس ضمن مقلب وتمثيلية. كنا خلصنا منك.
قلت للخال: طول بالك خال، أبو سلوم يلزمنا في السهرات.
وسألتُ أبا سلوم: إن شاء الله وجدوك عند المخابرات؟
قال: خليني أكمل لك القصة. أول واحد دخل من الباب هو أخي نسيم، وكان يبربر بالحكي على هذه العائلة التي لا تترك الواحد يتغدى وينام في القيلولة، كل يوم مشاكل مشاكل.. قالت له زوجتي أم سلوم: يا نسيم أخوك أبو سلوم أخدوه..
فقاطعها قائلاً: اتركيني من أبو سلوم يا زوجة أخي، فأنا حينما أكون جائعاً لا أفهم حكي، وكل أعصابي ترجف. وقال أبو إبراهيم مؤيداً كلام أخي: نحن والله يا أختي، لما اتصلتِ بنا كنا على وشك أن نأكل أول لقمة، فاضطررنا إلى تركه على الطاولة وخرجنا نركض.
وعينك يا حاج فارس لا تراهم إلا وهم يأكلون. أنا لم أكن قد عدت بعد ولكن زوجتي حكت لي وهي تكاد تبكي، قالت:
- أنا مستعدة أن أتوضأ وأحلف على المصحف بأن الطريقة التي التهموا بها الكبة المقلية توحي بأنهم لم يذوقوها منذ عشر سنين. أضف إلى ذلك أن الواحد منهم كان يناديها (هاتي لبن يا أم سلوم) فيرد الآخر.. هاتي ملح، هاتي فليفلة.. وتقول لها أمي: لا تحسبي حسابي باللبن، فهو يرفع الضغط.. واعطيني بالمناسبة ماء لأشرب حبة الضغط.. دواليك حتى أكلوا الكبة كلها!
وفي الحقيقة أن الشي اللي خلى مرتي تنقهر أنهم أكلوا الكبة كلها، ولا واحد منهم جاء بذكر اعتقالي في الأمن، ولما دخلت أنا ع البيت انتبهوا، وتذكروا السبب اللي إجوا منشانه، وقالت أمي:
- هه، هاي أبو سلوم وصل. تقبرني وين كنت؟
وقال أبو ابراهيم: المخابرات كانوا ياخدوا الواحد وما يرجعوه، غريبة أنهم تركوك بهالسرعة!