سورية... إرادة شعب وأسد هارب

16 ديسمبر 2024
+ الخط -

يوم سقوط الأسد هو يوم من أيام الله المشهودة، حيث سنة الله في الذين ظلموا تتحقق بين عشيةٍ وضحاها. سقط طاغية لم يشهد جيلي مثله، ولا أظن أن يأتي ما يشبهه على الأقل خلال 100 عام مقبلة... بشار الأسد وعلى مدار 13 عامًا، قتل نحو مليون شخص، وبتر أطراف ما يزيد عن مليوني إنسان ببراميله المتفجرة وأسلحة كيماوية طاولت كل حي في ربوع سورية الخضراء.

تحولت محافظات البلد الجميل منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، إلى ساحة حرب أصابت نيرانها الجميع، هرب من هرب، ومن بقي فيها أصبح رهينة نظام يحبس بجبروته الأنفاس ويحرم عليهم الحياة... وبين طرفة عين أسقط السوريون الأسد الذي فر هاربًا كنعامة لا تدري إلى أي وجهة تهرب، وسط أنباء بتحطم طائرته وهلاكه بين الركام الأمر الذي لن يغير في الأحداث شيئًا فقد طويت صفحته وستظل سيرته تروي قصة طاغية أباد شعبه بلا رحمة.

بشار وجنوده هجّروا أكثر من 13 مليون سوري ضمن 23 مليون شخص هم تعداد سكان سوريا، واليوم وبعد سنوات عجاف، فاجأ الثوار العالم بحركة خاطفة سيطروا خلالها على مناطق واسعة من البلاد دفعت بشار وأعوانه إلى الهروب، وسط صرخات أرامل النظام البائد في الداخل والخارج الذين يظهرون ما لا يبدون.

بعد الانتصارات التي حققها الثوار في أرياف حماة وحمص وريف درعا الشمالي وغيرها من المدن، خرج علينا بعض مدّعي الثقافة في الوطن العربي، ومن يعدّون أنفسهم نخبة الزمان وحصن العروبة، ليعلنوا رفضهم لما يحدث مدّعين خوفهم على الشعب المسكين ووحدة البلاد ومقدراتها، وفي الحقيقة هم يغضبهم رحيل الطغاة، لم نسمع لهم صوتًا عندما غرق الطفل آلان كردي في 2015، وانتشرت صورة جثمانه وهو على الشاطئ بعد أن فاضت روحه إلى بارئها، لم نسمع صوتهم ومئات الآلاف يُقتلون بالكيماوي والأسلحة المحرمة دوليًا.

لم نسمع لهم قولًا عندما قصفت حلب بالبراميل المتفجرة، ولا عندما اعتقل النظام مئات الآلاف في سجونه وأذاقهم العذاب، تلك النخبة يجب أن تمتنع عن الحديث ولا تتدخل في شؤون من دفعوا دماءهم وأرواحهم فداءً لحرية باعها آخرون مقابل قليل من المال لنشر فكر ملوث ينافي طبيعة النفس البشرية التي تتوق للحرية مهما كان المقابل.

العالم لم يهتم كثيرًا لآراء نخبة انفصلت عن الواقع كما لم يهتم للبيان العسكري الذي أصدره الجيش قبل ساعات من هروب الأسد والذي قال خلاله "لا صحة للأخبار التي تتناقلها المنصات الإعلامية الإرهابية عن انسحاب القوات المسلحة من ريف اللاذقية الشمالي وتؤكد القيادة العامة على أن جميع هذه الأخبار عارية عن الصحة"... انفصال عن الواقع لم يمحه صوت الرصاص.

البعض يخشى من حرب أهلية في سوريا أو اقتتال بين فصائل المعارضة... خوف مبرر ولكن يجب ألّا يسيطر علينا ويبدد فرحتنا، فكما قلت اليوم يوم من أيام الله، هو يوم عيد لا تشغلنا فيه أقاويل أو ظنون... وفي أسوأ الأحوال أطرح تساؤلًا لأجيب عن هؤلاء، هل هناك فصيل مسلح أو جماعة من الثوار قادرة على قتل وإصابة ثلاثة ملايين سوري، أو تهجير 13 مليون في بلاد الله، أو يعتقل مئات الآلاف من معارضيه؟

لا أحد سيفعل، لا أحد يملك القدرة، لا أحد يملك قلب شيطان مظلم ليفعل ما فعله بشار وجنوده في السوريين... الآن وبعد تلك السنوات تحررت سوريا، وستبدأ فترة زمنية جديدة نراهن خلالها على حكمة الثوار الذين أعلنوا بقاء الحكومة لتسير الأعمال حتى تشكيل مجلس حكم جديد، لتجنيب البلاد انهيارًا كما حدث في دول مجاورة كالعراق وليبيا.

وبعد 24 عامًا من حكم الأسد لسورية، غادر إلى وجهة غير معلومة هو وعائلته، تاركًا أكثر من ثلث السوريين يعيشون في فقر مدقع، أي نحو ستة ملايين نسمة لا يجدون ما يسد جوعهم وذلك بحسب بيانات البنك الدولي، تاركًا تاريخًا دمويًا استعان خلاله بقوة عسكرية روسية وإيرانية لإبادة شعبه خلال سنوات الحرب لكنه في النهاية لم يتمكن من هزيمتهم، وها هي تثبت إرادة الشعب أنها جديرة بالاحترام، ومهما كان مستقبل سورية فلن يكون مظلمًا كما كان.