شوارع وسيارات سورية أسدية (14)
قال كمال ما معناه أن الشوارع والطرقات في سورية تشبه السيارات، فهي عتيقة، وتحتاج إلى تصليح، ولا أحد يصلحها. هندستُها في أغلب الأحيان ليست صحيحة، ومعظم حوادث السير تقع بسبب رداءتها.
قال أبو زاهر: الشَّبَهْ اللي عم تحكي عَنُّه يا أستاذ كمالْ ناقصْ. أنا بعرف اللي كان في أيام زمانْ عندُه سيارة عتيقة بيحاولْ يصلحها بشكل جزئي، أو بينفضها نفضة مرتبة، لحتى يستعملها وينقل فيها عيالُه من بلدْ لبلدْ، أو ضمن المدينة من حارة لحارة، لاكنْ الطرقاتْ مين فاضي يصلّحها؟! ومين إله مصلحة بهالشي؟
قال أبو الجود: أنا قادرْ أجاوبْ أبو زاهرْ على سؤالُهْ من خلالْ قصة صارتْ معي. مرة من المراتْ، لما كنت إشتغلْ شوفير، جيتْ عَ البيتْ، لاقِتْلي أم الجودْ، وكان وجهها كان عَمَّ ينقّطْ سَمّْ. قالت لي: أبوك بعت لك خبر منشانْ تروحْ لعندُه. أشو بيريد أبوك منك؟ ليش ما بيتركك بحالك؟ إنته رجل شغّيلْ بتفيقْ من بخش الضَّوْ وبتطلعْ على شغلك، وما بترجع لحتى تتعب وما يبقى عندك قدرة توقف... صح ولا لأ؟ بس أنا بعرف اللغزْ، أكيد حضرة أمك المحترمة هي اللي بدها ياك تروح لعندها، وهي اللي خلت أبوك يطلبك. أشو بتريد أمك منك؟ ليش ما بتحل عنك؟ لما خَلَّصِتْ أم الجودْ كلامْها لاحَظِتْ إني كنتْ عم أعدّْ على أصابعي. قالت لي: إشبك إنته التاني؟ أشو عم تعدّ؟ قلت لها عم أعدّ الأسئلة اللي سألتيني إياهم دفعة وحدة. بيطلعوا شي عشر أسئلة، وأنا بزماني بطلت من المدرسة لأني الأستاذ سألني سؤال واحدْ وما عرفت أجاوب عليه. بوقتها قال لي الأستاذ: ولاك عبد، الجواب خمسة ضرب ستة قديش بيطلعوا؟ وأنا ما بعرف الجواب، منشان هيك رَكَّزْتْ عيني بعيونْ الأستاذ وسرحت، ضليت سارح لحتى رفسني بقفاي وخلاني إطلع من باب الصف وأنا عم إبْرُمْ متل الغازول.. بقى هلق شلون بدي أجاوبك عن عشر أسئلة ورا بعضهم؟ إنتي مفكرة إني أمِشْطَانْ؟ (يقصد: أينشتاين).
قال أبو جهاد: هادا هوي أبو الجود، لما بتسلموه الحديث عالسريع بيبلش بالعلاك وبيبقى بيعلك لحتى يوصل لأمشطان.
قال أبو الجود: أبو جهاد من نفس الفصيلة تبع مرتي، وفي بيناتهم قاسم مشترك هو المسخرة... إذا مرتي عم تسألني (أيش بده منك أبوك؟)، وأنا لسه ما شفت أبوي كيف بدي أعرف أيش بده؟ المهم يا شباب، تركتْ أم الجود عم تبربرْ وركبت السيارة ورحت لعند الوالد. أنا بعدما تجوزتْ هالمستورة أم الجود وخَلَّفْنا تلات أرباع الدزينة ولاد، بقي والدي ينظر لي على إني ولد غبي، وما بفهم... والسبب إني فقير. تصوروا أبوي بيعيرني بالفقر، مع إنه حضرته عاش خمسة وسبعين سنة، وبحياته ما انوجد في جيبه عشر ليرات.
قال أبو ماهر: حديثك حلو أخ أبو الجود، بس بصراحة إنته بَعَّدْتْ كتير عن موضوع الطرقات والسيارات.
قال أبو الجود: ما بعدت. جاييك بالحكي. يا سيدي الوالد كان بوقتها باعت لي خبر وحاببْ يشوفني لأجل السيارات. كانت عادتُه إنه كلما شافني يبهدلني ويبصق في وجهي، وبعدين بيخبرني أيش الموضوع. ولما بلش يبهدلني أنا ناديت لأمي قلت لها: بعد إذنكْ تعالي، ساعدي الوالد في البهدلة، بلكي بتخلصوا على بكير وبعرف أيش بده. هون أبوي زعل وقال لي: اخراس ولاك حيوان، أنا ببهدلك لحالي ما بدي مساعدة من حدا! المشكلة إنه والدتي كان سمعها تقيل، فصارت تبهدلني بالمَعِيّة، حتى نرفز أبوي وسحبني من إيدي ودخلنا عالغرفة الجوانية وسكر الباب، وقال لي:
- ولاك حيوان، أنا سمعت إنه دائرة المواصلات عم يوظفوا عندهم شوفيرية، روح تْوَظَّفْ أحسنْ ما طولْ الناس قاعد ورا هالدركسيون وعم تركض من بلد لبلد متل الكلب اللي إِدْنُه مقطوعة. قلت له: يابو، عم تقول وظيفة شوفير، وأنا بطبيعة الحال عم إشتغل شوفير، يعني أيش بتفرق؟ قال لي بتفرق كتير يا بهيمة، عند الدولة إذا اشتغلت أو ما اشتغلت بآخر الشهر في إلك معاش.
قال الأستاذ كمال: والله فيها وجهة نظر.
قال أبو الجود: المهم توظفت. وسلموني سيارة شاحنة، وقالوا لي هاي مخصصة لنقل الزفت. هون بقى منوصل للموضوع اللي كنتوا عم تحكوا عليه يا أستاذ كمال. قصدي موضوع الطرقات.
قال أبو زاهر: نعم. كنا عم نقول إنه الدولة اللي لازم تصلح الطرقات كانت تتركها بدون تصليح. هالحكي صحيح؟
قال أبو الجود: لا والله غلط. وأنا بعدما توظفت صرتْ أعرفْ قصص كتير عن شق الطرق وصيانتها وتزفيتها. لاكن آآآآآآآآآآه. أشو بدي إحكي؟ الواحد إذا بيسكت أحسن.
قال أبو جهاد: إن شالله بتسكت السكتة الأخيرة من عمرك. هلق لما وصلت لزبدة الحديث بدك تسكت؟
قال أبو الجود: أنا بدي إحكي طبعاً. بس مو هلق. خلوها لبعد العَشَا. أم م م.. يا سلام على روايح الكبة المشوية يا سلام!