صراع الصورة أفقاً للمصالحة المغاربية
أمام تزايد تأثير الإعلام الإلكتروني في صناعة الرأي العام، وتحديد المواقف، وكذلك اتخاذ القرارات وتوجيه السياسات أحيانا، أصبح من اللازم العمل على استغلال الثورة الرقمية في الدفاع عن السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، والترافع لصالح القضايا الوطنية، دون أن ننسى دورها في كشف المغالطات الخارجية التي تحاول دائما أن تصوّر المغرب صورة غرائبية مناقضة لصور الواقع.
ننطلق بداية بمحاولة حصر مفهوم الصورة، ونميّز بين صورة صامتة وأخرى ناطقة، وربما هناك صورة توليدية ناتجة عن الحكي، الذي من خلاله تُستدخل صورة تخيلية، لكنها تتطلب انفتاح الحاكي، وكذلك الثقة المتبادلة، إلا أنها تصبح دون جدوى حينما توّجه للآخر الذي يعيش في عزلة ويعاني من صورة متخيلة مسبقة، لكنها مزيفة، ناتجة عن اشتغال إعلام "الريموت كنترول" الذي يعمل على تزييف وتسميم الوعي الشعبي.
هنا، تصبح الحاجة ماسة جداً لتجاوز الخطاب اللفظي (تسويق الصور عن طريق الحكي) لصالح تسويق صور رقمية صامتة، وأخرى مقطعية، وفق منطق شمولي يغطّي مختلف القضايا الشائكة، كقضية الحدود والدعم المغربي التاريخي للجزائر، وكلّ ما يمكنه أن يساهم في خدمة حلم المغرب الكبير وتجفيف منابع السموم والعداوة الوهمية لدى الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري.
التغيير في النظم السياسية والاجتماعية لا يمكن أن يحدث دون ثورة فكرية
يفرض الواقع الراهن، كما فرض التاريخ دائماً، التفاف المغاربة حول مؤسستهم الملكية العريقة، ودولتهم الضاربة في عمق التاريخ، ويتأتى هذا الإجماع الوطني بالإدراك والاقتناع بأنّ الملكية صمّام أمان سياسي وجغرافي وضمانة لوحدة الوطن، في ظلّ ما يشهده العالم، ومنه المنطقة العربية خصوصاً، من تخريب وتشظّ وانهيار وتفكّك للكثير من الدول، التي اتخذت من نظام الحكم الجمهوري موضة سياسية رافقت صعود التيار الاشتراكي، في حين أنّ التغيير في النظم السياسية والاجتماعية لا يمكن أن يحدث دون ثورة فكرية كما حدث بأوروبا "عصر الأنوار".
لذلك، فالمطلوب من المغاربة مواجهة المغالطات الإعلامية والمزايدات السياسية، التي تتعلق بالمؤسسة الملكية وعلاقتهم بها، وكذلك إظهار الالتحام المطلوب، الذي سيشكل انتكاسة حقيقية للحالمين بالشر للدولة المغربية القوية، ولعل قضية الصحراء المغربية أول القضايا التي تتطلب الجهر بالتحام إرادة الملك والشعب، من خلال إقناع الآخر بأنها خط أحمر للمغاربة كافة.
المطلوب من مغاربة الداخل والخارج من إعلاميين ومدوّنين، وكذلك من الإخوة الجزائريين، هو العمل على كشف حجاب المغالطات الخارجية مهما كان مصدرها، ومهما كان شكلها، من خلال نشر وثائق وصور وفيديوهات وتسويقها بشكل واسع دولياً، صور تكشف العداء الوهمي بين البلدين.
في هذا السياق، أستحضر مقاطع فيديو للراحلين الملك محمد الخامس 1957، والملك الحسن الثاني 1960، حينما ترافعا عن الجزائر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مدافعين عن ثورتها ومطالبين باستقلالها، دعم تجاوز الخطاب السياسي إلى فتح الحدود للمقاومة ودعمها بالسلاح والمؤن، هذا الدعم ليس جديداً على الدولة المغربية، بدءاً من معركة إسلي 1844 التي كلفت المغرب سمعته العسكرية، مروراً بدعم حرب التحرير كما أشرنا، وإعلان التضامن والدعم بعد زلزال الأصنام سنة 1980، رغم احتضان الجزائر للحركة الانفصالية ودعمها، وصولاً إلى التضامن والدعم الذي عرضه الملك خلال الحرائق التي عرفتها منطقة القبائل سابقا، والتي لاقت تجاهلاً واضحاً من طرف سلطات الجزائر، مقابل تسوّلها من فرنسا التي أبادت مليون ونصف مليون جزائري، والتي تستقبل على أراضيها زعماء "حركة الماك" (حركة تقرير المصير في منطقة القبائل) الانفصالية.
كشف الحجاب يكون من خلال ترويج صور ووثائق تظهر من هو الصديق ومن هو العدو
يتطلب هذا الواقع إرساء إعلام بديل يعمل على دعم وترسيخ قيم الإخاء والتسامح والتضامن، إعلام يتميّز بالقدرة على ردع المغالطات المزيفة بالحقائق الواقعية وفضح كلّ خطاب سياسي يسوّق "العداوة" المزيفة/ المتوهمة طبعا، بين بلدين شقيقين أو توأمين كما جاء في خطاب ملك المغرب بمناسبة عيد العرش.
يتحقق هذا الهدف من خلال عمل المغاربة، وكذلك الإخوة الجزائريين، على اغتنام الفرص لإظهار الأخوة والتسامح والتضامن، بل التعالي عن المزايدات والاتهامات السياسية التي تسمّم الوعي الشعبي، من خلال استغلال اللقاءات الرياضية وتوظيفها بشكل يخدم الأخوة المغاربية. مبادرات ستبطل بلا شك مفعول السموم التي أرهقت الجسد المغاربي وبخرت حلم الرخاء المشترك. إلى جانب الرياضة، نجد دور الفن من سينما وغناء خصوصاً، اللذين دائما ما قرّبا بين الشعبين.
سيشكل هذا التوّجه مناعة حقيقية للشعوب ضد الأحقاد التاريخية والخلافات السياسية، وسيضمن بلا شك تجنّب توترات سياسية أشدّ، كما سيمهد لطي صفحة الماضي عموماً، وإيجاد سبل لتجفيف منابع السموم والحقد بما يرسخ قيم الإخاء والتسامح والتضامن.
وبالتالي، فكشف الحجاب يكون من خلال ترويج صور ووثائق تظهر من هو الصديق ومن هو العدو، دون أن ننسى مطالبة السلطات الجزائرية بتقديم الأدلة القاطعة المؤكدة لاتهاماتها المتكرّرة للمغرب، ولا شك أنها ستكون عاجزة تماما عن ذلك، أمام حسن نيّة المغرب وتقديره للجوار وللعلاقات المتشابكة بين الشعبين، حينها ستكون محرجة أمام الشعب الجزائري، وستظهر بوضوح النزعة العدوانية الهجومية لدى حكام الجزائر.
تشكل قضية الوحدة الترابية للمغرب قضية محورية في" صراع أو حرب الصورة"
تشكل قضية الوحدة الترابية قضية محورية في "صراع أو حرب الصورة" إن صح التعبير، خصوصاً حينما نسمع حديث بعض المنابر الإعلامية المشكوك في نزاهتها، تروّج لواقع افتراضي لا علاقة له بأرض الواقع، وتصف المغرب بصفات عجائبية خرافية بعيدة عن واقع الأقاليم الجنوبية، هنا تتخذ الصورة قيمة قصوى، فمن خلالها يمكن تحريك المياه الراكدة والمساهمة في تغيير الرأي العام الدولي.
لعل أنجع السبل لتحقيق هذه الغاية تتمثل في تسويق صور التنمية بالأقاليم الصحراوية، والعمل على إنتاج برامج وثائقية حول المجال الصحراوي والعادات والتقاليد الصحراوية وإبراز العلاقات المتشابكة للأقاليم الجنوبية بالأقاليم الشمالية للمملكة، والعمل على إنتاجات سينمائية تاريخية ضخمة للدول المتعاقبة على هذه الأرض، والتي كانت الصحراء منطلقا أساسيا لها.
هكذا سيتم تسويق الحدود التاريخية للدولة المغربية التي كانت تتحرّك مداً وجزراً حسب طبيعة السلطة الحاكمة، وسيتضح بلا شك أنّ الحدود الحالية، خصوصاً التي تشمل الصحراء الكبرى بشمال أفريقيا، هي حدود استعمارية وهمية، وأنّ المطالبة بانفصال جزء من الصحراء الكبرى هي في الآن نفسه تعبير عن إمكانية انفصال بقية الأجزاء الجنوبية عن الأجزاء الشمالية، فمثلاً ما هي الحجج القاطعة للجزائر الموجبة لتبعية الصحراء الجنوبية لها؟ الجواب طبعا، هو أنّ الحدود الجزائرية مجرّد غنيمة استعمارية. لذلك لا بد من إعادة قراءة التاريخ الجيوسياسي، فالدولة الوطنية لا يمكن أن تقوم على أساس استعماري.