طقوس رمضان... متجدّدة أم تسقط بالتقادم؟
منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، بقيت المناسبات الدينية التي حثّ عليها الدين الإسلامي موضعَ تقديسٍ وتبجيل، ولم يجرؤ إلا قلةٌ من المسلمين على تجاوزها أو إلغائها من حياتهم، فبقي القسم الأكبر منها على امتداد العصور، يحييها المسلمون بشتى الأشكال حسب قدراتهم وعاداتهم.
وإذا تتبعنا طرق إحياء هذه المناسبات، سنجدها تختلف حيناً وتتشابه حيناً آخر بين منطقة وأخرى، وحقبة زمنية وأخرى أيضاً. ونحن نجد هذا التنوع والاختلاف في سورية كما غيرها من البلدان الإسلامية. وإن كان الزمن قد غيّر طقوس هذه المناسبات، فإنّ الحرب في سورية قد فعلت فعلها بشكل أقوى خلال فترة زمنية قصيرة. ففي السنوات الأخيرة بدأنا نلحظُ بشكل واضح التغيير الذي حلَّ بطقوس المناسبات الدينية بعد الحرب التي دمّرت وقتلت وهجّرت الناس، ونتيجة تبعاتها الاقتصادية التي حوّلت نسبة كبيرة من الشعب السوري إلى طبقة أقل من متوسطة وطبقة فقيرة.
في سورية، إن سألت أحدهم عمّا تغيّر عليه الوضع في رمضان منذ عشر سنوات وحتى الآن أول إجابة ستتلقاها منه هي تنهيدة (آاااخ)! ومن ثم سيخبرك كلّ واحد عن ذكرياته الجميلة حول طقوس رمضان قبل سنوات. منهم من سيحدثك عن المائدة التي كانت عامرة بأفراد العائلة ثم فرغت بعدما سافروا قبل سنوات بسبب ظروف العمل السيئة والحالة الاقتصادية المتردية التي ضيّقت الخناق على معيشة الناس، فتغيّرت نكهة طعام الإفطار وفقدت شهيتها، بل إنّ نفوس الناس أيضاً قد تغيّرت، وصارت أكثر كآبة أو أكثر حدّةً مع الآخرين، فقلّت الدعوات إلى موائد الإفطار والتجمّعات الودّية، وبات من الصعب احتمال تكاليف مائدة كبيرة لعدّة أفراد، فالأُسَر بالكاد تؤمن وجبة إفطارٍ لها، حتى إن عادة تبادل أطباق الطعام عند الإفطار قد قلّت بشكل ملحوظ بسبب التكلفة الزائدة.
كما رأت بعض الأمهات أنه من الصعب أن تشعر بمتعة شهر رمضان حين يكون لديك أطفال، إذ إنّ الأعباء المنزلية تتزايد، وتضيع الأم ما بين إعداد طعام الإفطار أو مساعدة الأبناء في الدراسة، وغالباً ما نضطر إلى إهمال دراسة الأطفال مقابل إعداد الطعام.
الأُسَر بالكاد تؤمن وجبة إفطارٍ لها، حتى إن عادة تبادل أطباق الطعام عند الإفطار قد قلّت بشكل ملحوظ بسبب التكلفة الزائدة
إحدى الصغيرات روت باستكانة أنّ والدها اشترى لهم ثلاثة أصناف من الطعام لوجبة السحور، وأمرهم قائلاً: "كل يوم تختارون صنفاً واحداً لتأكلوا منه، كي لا ينتهي الطعام بسرعة، فأنا لا أستطيع أن أنوّع لكم الوجبات بهذا الشكل يومياً".
صارت طقوس رمضان في سورية بلا بهجة أو فرح، وبات الناس يحيونها غالباً من باب الواجب الديني واسترجاع الذكريات القديمة لطقوس رمضان بحسرة.
فإن وقفنا قليلاً عند الالتزام الديني للناس بالصيام، سنرى سعي الناس القوي كلٌّ إلى نصرة أفكاره ومعتقداته عن الصيام، فالصائمون يتشدّدون بفكرة الالتزام ويتذمرون من رؤية المفطرين يجاهرون بإفطارهم، وكثيراً ما نرى نساء حوامل أو مرضعات مصرّاتٍ على الصيام متجاهلاتٍ تعليمات الطبيب، ومنقادات وراء فتاوى رجال الدين الذين أجازوا لهنّ ذلك، وكأنهم يعرفون الحالة الصحية للنساء وقدراتهن على التحمّل. أما المفطرون، فيتذمرون من عدم تقبّل الصائمين إفطارهم، واحترام فكرة أنّ الصيام حرية شخصية، وأمر يخصّ الإنسان مع ربّه الذي خلقه ومنحه النّعم، ولا شأن لبقية البشر، الذين لا فضلَ لبعضهم على بعض، بذلك.
أعتقد أنّ الأمر الأهم من هذا كله هو التزام الناس بعمل الخير إن كان في صيامهم أو إفطارهم، فمن غير المنطقي أن ينادي الصائم بتديّنه والمفطر بإنسانيته، وكلٌّ منهما لا يتوقف عن النميمة أو الأذية أو اغتياب الآخرين، أو النفاق أو الاحتيال أو حتى الشتيمة.. فالأمر متكاملٌ!
أما عن ملابس العيد بعد رمضان فهذه قصة لوحدها، إذ إنّ كثيرين اختصروا منها، وباتوا يشترون الملابس لولد واحد في كلّ عيد، أو يشترون لهم في عيد دون الآخر، ومنهم من كان يشتري ملابس مختلفة لكلّ يوم من أيام العيد، ولكنه ألغى ذلك الآن؛ فراتب الموظف هنا لا يسمح بشراء ملابس كاملة لفرد واحد، فكيف أكثر؟
لقد غيّرت الحرب طقوس الاحتفال برمضان كلها في سورية، وبهجة أي مناسبة، فلم يعد هناك طعم للحياة في ظلّ الموت والفقر والمرض والكوارث، وربما بتنا حقاً شعباً لا مكان له على هذه الأرض!