عن يوم الأرض.. حاضراً وغائباً
الثلاثون من مارس/ آذار من كلّ سنة، هو يوم الأرض في تاريخ القضية الفلسطينية، وتعود أحداث هذا اليوم لعام 1976، بعد استيلاء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين داخل أراضي عام 48، وقد عمّ آنذاك إضرابٌ عام، ومسيرات من الجليل إلى النقب، واندلعت مواجهاتٌ أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، وإصابةِ واعتقالِ المئات. وقد سُنَّ هذا اليوم للتأكيد على إصرارِ الشعب الفلسطيني، ومن وراءه الشعوب العربية والإسلامية، وأيضًا الشعوب المحبّة للاستقلال والتحرّر، على التمسّك بالأرض في مواجهةِ كلّ محاولةِ اقتلاع ومحو من أرضِ فلسطين.
جاء هذا اليوم في 2024 في سياقِ حربِ إبادةٍ ضدَّ الشعب الفلسطيني، تعمل على تدمير الأخضر واليابس، وكلّ ما هو مادي ومعنوي للحياة الإنسانية في غزّة والضفة، على أيدي إسرائيل، بأسلوب يجعلنا نعتقد أنّنا إزاء كائنات غير بشرية لا تشبع من ضحاياها. ولا حاجة هنا لاستعادة الأرقام والمشاهد حول هذه الحرب، فقديمها وحديثها ولحظتها الآنية جميعها متاح في كلِّ وسائل الاتصال والتواصل.
ومع كلِّ المعاناة والألم المعمَّمين على كلِّ الفلسطينيين، صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا، يواجه الفلسطينيون ذلك بالإصرار على البقاء في أرضهم، ولو في العراء أو تحت الخيام، والمقاومة بشراسةٍ في كلِّ مكان. وهنا يحضر يوم الأرض كائنًا حيًّا، وليس نقطة زمنية تنتهي بانتهاء اليوم، كائنًا حيًّا يقول: أنا هنا ثابت كما الأرض، رغم الدماء والتدمير والخوف والفقد، أصرخ حينًا، أحمد الله حينًا آخر، أشكو الوضع وصمتَ العالم أحيانًا أخرى، لي حياة كاملة، ممتدة، وليس ذكرى معزولة ومُستلة من التاريخ، كثيرًا ما تُستعاد بلا روح، في واقع تنكّر فيه الإنسان لإنسانيته، بل ويُشرِّع أحيانًا للا إنسانية بأشكالٍ شتى، ممارسة أو صمتًا، أو لا مبالاة حتى.
يقول الفلسطيني في صموده: أنا هنا ثابت كما الأرض، رغم الدماء والتدمير والخوف والفقد
في مقابل هذا الحضور الحي ليوم الأرض في فلسطين، هناك غياب له في أماكن أخرى، وتحديدًا في العالم العربي، حيث لم نشهد إلا بعض الفعاليات القليلة، والتي مرّت باهتة جدًّا، وخاوية من حيث النوع وعدد المشاركين. وهذا وضعٌ قد يكون منتظرًا، مع ما لاحظناه من تراجعٍ شديدٍ لزخمِ الدعم الشعبي العربي لغزّة، وخاصة على مستوى الاحتجاجات الميدانية مقارنةً بتواصل المظاهرات الداعمة للفلسطينيين في الغرب.
كان من الممكن أن يكون يومَ الأرض لهذه السنة فرصةً لإعادةِ الحياة، في الشارع العربي، لحركةِ دعم القضية الفلسطينية والاحتجاج على ما يقع في غزّة، وهو ما لم يحصل، بل ازدادَ تراجع الفعاليات حدَّ الانحباس، ما يعكس حالة الغيبوبة التي مسّت المجتمعات العربية، بشعوبها ونخبها السياسية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني، حالةً جعلتها عاجزة عن التفاعل مع قضاياها ومختلف القضايا الإنسانية، فانحسرت اهتماماتها في ما هو يومي، ويبدو أنّه لا أفق آخر على المدى المنظور.
أعتقد أنّ الفلسطينيين، وخاصة النخبة المقاومة، قد أدركوا هذا الوضع منذ زمن، ولذلك راهنوا على أنفسهم وقدراتهم، لأنّ الحل بأيديهم مهما كان تأثير الخارج، وقد جاء طوفان الأقصى كإحدى نتائج هذا الوعي.