فرنسا تخسر معركة تنظيم الألعاب الأولمبية 2024
رسخت في أذهان الجميع مكانة الغرب في الثقافة والعمران وفي حسن التنظيم والإبداع، والتطور والتقدم في كل شيء، هذه هي الصورة التي ظلت قائمة في الأذهان، حيث كانت دول الشمال هي المهيمنة والمسيطرة بشكل كبير على تنظيم المحافل الرياضية العالمية.
واستطاعت قطر تكسير هذه الصورة النمطية من خلال تنظيمها لمونديال 2022، لتصبح هذه النسخة الأكثر إثارة وإبداعًا، وحطمت جميع الأرقام في التنظيم من حيث الخدمات المقدمة، والملاعب ذات الهندسة العالية، وبحفل افتتاح حمل إشارات ثقافية وهوية جمعت بين الأصالة والمعاصرة.
وبالرغم من نجاح قطر في ربح رهان تنظيم كأس العالم، إلا أنها لم تسلم من الانتقادات وخاصة تلك التي وجهتها فرنسا، فجاء أولمبياد 2024 معيارًا حقيقيًا لكشف سوء التنظيم، وانتقلت باريس من عاصمة الأنوار إلى عاصمة النفايات والظلام، فعكست صورة فرنسا الجديدة الغارقة في الفوضى.
إن النسخة التي قدمتها فرنسا في هذه الأولمبياد تفتح الباب للتساؤل عن مدى استعدادها لهذا التنظيم؟ وما المجهود الذي بذلته؟ وما هي أسباب هذه الانتكاسة؟ علمًا أنها تصور نفسها دائمًا مهدًا للحضارة والتقدم، كما أنها تحشر نفسها في توجيه النقد إلى أي تنظيم رياضي عالمي، لكن هذه المرة، عليها أن تلتزم الصمت وتراجع أوراقها التي تبعثرت.
كشف هذا الأولمبياد حجم التلوث البيئي الذي تشهده فرنسا، من خلال الأنهار المخصصة للسباحة، وأيضًا الصور التي نقلها الإعلام الدولي والجماهير التي حضرت من أجل السياحة ومتابعة الأولمبياد
وكشف هذا الأولمبياد حجم التلوث البيئي الذي تشهده فرنسا، من خلال الأنهار المخصصة للسباحة، وأيضًا الصور التي نقلها الإعلام الدولي والجماهير التي حضرت من أجل السياحة ومتابعة الأولمبياد، فأصبحت البيئة أحد التحديات التي تواجه هذا البلاد، فالصور التي نُقلت ونُشرت لجنبات برج إيفل تُظهر حجم النفايات المكدسة، والتي أفسدت الرونق والذوق العام، إن صح التعبير. وبدأت معالم فشل هذا الحدث الرياضي العالمي مع حفل الافتتاح، والذي لم يعبر عن حجم التوقعات، وكان حفلًا عاديًا أو أقل من ذلك، معلنًا عن إخفاق وفشل التجربة. وهكذا لاحقت هذا الحفل انتقادات واسعة، خاصة أن العروض المقدمة لم تحمل أي إشارة فنية معينة أو رسالة سامية، تدافع عن حقوق الإنسان، في بلد يعتبر نفسه مهدًا لحقوق الإنسان، بل على العكس من ذلك شجع الحفل على المثلية الجنسية، مما جلب لباريس الكثير من الانتقادات.
ووصف دونالد ترامب الرئيس الأميركي السابق حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس بأنه "مهين، وكان وصمة عار"، كما استنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشاهد المقدمة في حفل الافتتاح بأنها مشاهد سخرية اعتبرها استهزاء بالمسيحية.
وأدت رداءة هذه العروض إلى نشر خطاب الكراهية والتهديد بقتل المنظمين للحفل الافتتاح، بحسب ما نقلته الصحف الفرنسية، والشكايات التي تقدم بها المنظمون والساهرون على حفل الافتتاح، وهي إشارة واضحة إلى عدم رضا المواطن الفرنسي على ما تم عرضه من خلال ما ورد في مواقع التواصل الاجتماعي، وعن الأداء الرديء من التنظيم.
وتزامنت هذه الدورة الأولمبية مع استمرار تهجير الشعب الفلسطيني، وارتكاب جيش الاحتلال إبادة جماعية في حق شعب أعزل يدافع عن وطنه وأرضه، الأمر الذي دفع المناصرين للقضية الفلسطينية إلى مقاطعة الرياضيين الإسرائيليين والانسحاب من مواجهتهم.
وهكذا، سقطت فرنسا في امتحان تنظيم هذه التظاهرة الرياضية، رغم صرفها ميزانية كبيرة، وفشلت بذلك في تقديم صورة تليق بها، ثقافيًا وبيئيًا، فظهرت صورة باريس على حقيقتها، دون مساحيق التجميل وفوتوشوب، وكانت عرضة للنبش والتحقيق، مما جعل هذا محكًا حقيقيًا لوضع سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تحت المجهر ومحاسبتها.