في لبنان... لكل استحقاق أكثريته
في الوقت الذي يرزح فيه الشعب اللبناني تحت وطأة الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور، يصرّ أعضاء المنظومة الحاكمة على التلهي بضم أكبر عدد ممكن من النواب المنتخبين إلى كتلهم النيابية، من دون الاكتراث إلى يوميات المواطن المقهور.
وبغض النظر عن أحجام الكتل، هناك أمران مؤكدان، الأول خسارة فريق ما يعرف بـ"8 آذار" الأكثرية المجلسية من جهة، مع إبقاء مكوناته على تمايزهم حول بعض الاستحقاقات، رغم الانسجام الكبير في الكثير من الملفات الأخرى، مقابل تكتلات نيابية أخرى تكبر وتصغر حسب الملفات المعروضة من جهة أخرى.
أما الأمر الثاني فيتمثّل بعودة كتلة "الحزب التقدمي الاشتراكي" للعب دور "بيضة القبان" في كل الاستحقاقات المطروحة في المستقبل، حيث نجح رئيس الحزب وليد جنبلاط بتشكيل كتلة وازنة، تعطيه فرصة المشاركة الفاعلة بتحديد وجهة الاستحقاقات المستقبلية ومصيرها.
وبالانتقال إلى الاستحقاق الأول، (انتخاب رئيس المجلس النيابي)، أصبح جلياً أن كتلة الاشتراكي ستصوّت إلى جانب الثنائي (أمل - حزب الله) وبعض النواب لإعادة انتخاب الرئيس بري لولاية جديدة -وهو ما أعلن عنه رئيس الكتلة ونجل رئيس الحزب تيمور جنبلاط صراحة-، في مقابل إعلان التيار الوطني الحر عن عدم موافقته على تجديد الشرعية لحليفه في الانتخابات (نبيه بري) "إلا بشروط"، وهو ما أعلنه رئيس التيار النائب جبران باسيل علناً عندما قال "عم يسترخصونا"، وكأنّه يوصل رسالة بأن المقايضة يجب أن تكون على موقع أهم من نائب رئيس المجلس، غامزاً من قناة المساومة على كرسي رئاسة الجمهورية، مقابل إعلان بقية الكتل والنواب عدم رغبتهم انتخاب الرئيس بري لولاية جديدة.
بغض النظر عن إمكانية تشكيل حكومة جديدة أم لا، سنصل عاجلاً أم آجلاً إلى الاستحقاق الرئاسي في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لنشهد تشرذما أقوى وأكبر
وبناء على ما سبق، يبدو أنّ التيار الوطني بدأ يخرج عن إجماع فريق (8 آذار)، أو يخالف قرارات حليفه الأقوى "حزب الله"، مقابل خروج كتلة اللقاء الديمقراطي (الحزب الاشتراكي) أيضاً عن الخط السيادي الذي لطالما ادعت تموضعها فيه هذا في المشهد العام.
في المشهد الآخر، انتخاب نائب رئيس المجلس أيضا استحقاق سيؤدي إلى إعادة خلط أوراق المشهد العام، فالقوات اللبنانية تغمز فريق (8 آذار) وتلمح إلى إمكانية تراجعها عن قرار عدم التصويت للرئيس بري مقابل موافقة هذا الفريق على دعم مرشحها الوزير غسان حاصباني، السيناريو نفسه لدى التيار الوطني الحر الذي سيرشّح الوزير إلياس بو صعب وهو بانتظار رأي بقية مكونات (8 آذار)، أما القوى التغييرية فلم تحسم خيارها، وهي مصرة على عدم انتخاب بري، وتقوم بالاستشارات لمعرفة مدى إمكانيتها من ترشيح نائب تغييري من صفوفها والأرجح هو النقيب ملحم خلف، وتغمز من جهة ثانية فريق ما كان يعرف بـ(14 آذار).
وبالانتقال للاستحقاق الثاني، وهو تكليف رئيس للحكومة الجديدة، وهنا يظهر اصطفاف جديد آخر، أمام هذا الاستحقاق تتجه الأمور إلى توحّد فريق (8 آذار) ومن ضمنه التيار الوطني الحر إلى تسمية مرشح، وعلى الأغلب إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، مقابل رغبة القوات اللبنانية وبعض النواب السنّة بتسمية النائب أشرف ريفي، في ظل جوجلة للأسماء من قبل النواب التغييرين لشخصيات جديدة كالنائب حليمة قعقور أو نواف سلام أو عبد الرحمن البزري أو حتى أسماء جديدة، وبالتالي سنكون أمام مشهد لم نعتد عليه في السنوات الماضية، وكل ذلك أيضا رهن توجه كتلة الاشتراكي التي لم تظهر أي توجه واضح حتى الآن وطبعاً ستكرّس مقولة "بيضة القبّان"، ولكن يبدو أنّ ملف تشكيل الحكومة سيؤجّل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وستستمر حكومة الرئيس ميقاتي في تصريف الأعمال.
وبغض النظر عن إمكانية تشكيل حكومة جديدة أم لا، سنصل عاجلاً أم آجلاً إلى الاستحقاق الرئاسي في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لنشهد تشرذما أقوى وأكبر في هذه المرحلة، فلدى فريق (8 آذار) يرغب كل من رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجية ورئيس التيار الوطني الحر جبرا باسيل بالترشح للرئاسة -هذا حتى الآن-، وهما مكونان من ضمن الفريق نفسه، إضافة إلى رغبة رئيس حزب القوات سمير جعجع بالترشح كونه من أصحاب أحد أكبر التكتلات المسيحية وهو ركن أساسي لما كان يعرف بفريق (14 آذار)، الملفت أيضا انتقال هذه الشرذمة المتوقعة حتى الآن إلى صفوف التغييرين والمعارضين، فمن المتوقع حينها، إبداء رغبة كل من النائب ميشال معوض والنائب نعمة فرام من ضمن المعارضين ترشحهما لخوض هذا الاستحقاق، من دون أن ننسى فريق أو كتلة التغييرين ومن ستختار أو ترشّح.
والمؤكد أن المرشحين كثر، أما الجدّيون فقلّة، ونتيجة تسوية ننتظرها وعندها تبقى كتلة الاشتراكي التي لن تعلن موقفها من أي مرشح ومن المتوقع أن تنتظر المكاسب التي ستجنيها من خلال دعمها أي مرشح على حساب مرشح آخر لتكرّس مرّة جديدة مبدأ "بيضة القبان".
هنا لا بد من الاعتراف أن وليد "بيك" أثبت مرة جديدة أنه من المنظومة وهو الذي يتقلّب ويغلّب مصالحه على مصلحة الخط السيادي أو المقاوم، ولكل من تحالف معه من الخط السيادي، شاركتم مرّة جديدة بزعزعة هذا الخط، وكما راهنتم على مرشح حزب الله الرئيس عون في الماضي وفشلتم، أيضا من خلال هذه الانتخابات.. أفشلتم السيادة.