قراءة في اتفاقية "التعاون الشامل" بين الصين وإيران
جرى توقيع أول معاهدة تعاون بين حكومتي إيران والصين في روما، عاصمة إيطاليا، وبين سفراء البلدين، في يونيو/حزيران 1920. أما في العصر الحديث، فاتسمت العلاقات (الصينية - الإيرانية) خلال فترة حُكم الشاه بالضعف من الناحية الاقتصادية نتيجةَ تحالفه مع القوتين الأميركية والأوروبية.
ولكن علاقة البلدين لم تكن منقطعة بشكل تام، إذ اعترفت الصين بحركة تأميم صناعة النفط الإيراني في الخمسينيات من القرن الماضي، فردّت إيران بالاعتراف بجمهورية الصين الشعبية عام 1967، ودعمها لاستعادة عضويتها في مجلس الأمن عام 1971 بدلًا من الصين الوطنية بزعامة شيانغ كاي شيك، المدعوم أميركيًا.
بعد الثورة الإيرانية
خلال هذه المرحلة، تقاربت العلاقات. دَخَلت إيران منذ ذلك الحين في حالة عداء مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، اعترفت بكين بإيران الثورة، وانضمت إلى قائمة مزودي طهران بالسلاح أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، في توقيتٍ بالغِ التعقيد لدى إيران بعد قرار حظر تصدير الأسلحة لإيران على خلفية أزمة الرهائن عام 1979.
كما لعبت التحولات الدولية، مطلع تسعينيات القرن العشرين، دورًا في تعزيز العلاقات وامتدادها لتشمل الجوانب الاقتصادية والتجارية والعسكرية، بجانب العلاقات السياسية، لإدراكهما تبني واشنطن سياسة التطويق تجاه الدولتين، في وقتٍ تنامت فيه حاجة الصين للنفط لزيادة إنتاجها.
مكاسب مشتركة
تنبع أهمية الصين الاقتصادية بالنسبة لإيران من عدة عوامل أساسية وهي: أن الصين لم يكن لديها في الماضي أو الحاضر مشكلةً في نقل التكنولوجيا الحديثة وخطوط الإنتاج الكاملة لإيران. سياسة الصين الصناعية لا تهتم كثيرًا بالاستخدامات النهائية لصادراتها إلى الخارج، على عكس الكثير من دول العالم، خاصةً الدول الأوروبية. بما يعني استخدام المنتجات والسِلع المصدّرة لأغراضٍ صناعية أو طبية، على سبيل المثال في استخداماتٍ أخرى كالاستخدامات العسكرية والحربية، مثل ما فعلت إيران مع أجهزة رنين مغناطيسي استوردتها من الصين مخصصةً لأغراضٍ طبية، لكن تم استخدامها لأغراضٍ عسكرية كفحص أعطال الصواريخ والمعدات الحربية. هناك كذلك رغبة إيرانية في الحفاظ على علاقاتٍ وثيقةٍ وودية مع أكبر مشترٍ لصادراتها النفطية والبتروكيماوية في العالم.
في المقابل، تتجلى أهمية إيران الاقتصادية بالنسبة للصين في كون طهران تعد من أهم موردي النفط الموثوقين للصين، إذ تمتلك احتياطيًا نفطيًا ضخمًا يصل إلى 158.4 مليار برميل، تحتل به المرتبة الرابعة عالميًا بعد فنزويلا والسعودية وكندا. وبالتحديد، تعتبر طهران ثاني مصدر للنفط إلى الصين بعد المملكة العربية السعودية.
تحتل إيران أيضا موقعا استراتيجيا في طريق الحرير الصيني باعتبارها ممرا رئيسيا لنقل السلع الصينية إلى دول وسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، ونقل المواد الخام في المقابل إلى الصين. وليس جديدا استثمار إيران علاقاتها مع الصين كورقة للضغط على الولايات المتحدة الأميركية في القضايا الخلافية، وعلى رأسها الملف النووي.
يشكِّل موقع إيران كذلك أهميةً (جيو - سياسية) للصين بحكم وقوعها في الجنوب الغربي من قارة آسيا، وبإطلالها على ممرات مائية استراتيجية، هي الخليج العربي والبحر العربي والمحيط الهندي وبحر قزوين، ما جعلها تمثّل حلقة الوصل بين الشرق والغرب، وبمثابة ممرٍ طبيعي للتجارة العالمية، والتي تُعَدُّ الصين أحد روادها، وتشكِّل جسرًا يربط وسط آسيا ومشرقها أولًا، وغرب آسيا وشرق البحر المتوسط ثانيًا، إذ يحدها من الشرق باكستان وأفغانستان، ومن الشمال تركمانستان، ومن الجنوب الغربي الخليج العربي وخليج عمان، ومن الغرب العراق وأذربيجان وأرمينيا وتركيا وبحر قزوين،كما تشكِّل الطريقَ الحيوي في الاستيراد والتصدير بين الشرق والغرب.
ولذلك، يُتيح هذا الموقع الاستراتيجي للصين موطئ قدمٍ في منطقة الشرق الأوسط الحيوية، كما يُتيح الموقع نفسه للصين الوجود في المنطقة لمزاحمةِ الدور الأميركي، فضلًا عن أنه يسمح بتوسيع نِطاق نفوذها الجغرافي الاستراتيجي إلى أبعَد من جوارها المباشر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
"التعاون الشامل"
إن اتفاقية "التعاون الشامل" بين الصين وإيران لمدة 25 عامًا تكشف مدى متانة العلاقة بين البلدين. ترسي الاتفاقية الأسس لاستثمارات صينية ضخمة في البنية التحتية الإيرانية تصل إلى 400 مليار دولار، 280 مليارا للاستثمار في مجال الطاقة، و120 مليارا للاستثمار في مجالي البنى التحتية والاقتصاد، مقابل امتيازات تجارية وأمنية وعسكرية على الأراضي الإيرانية خلال تلك المدة.
أفق الاتفاقية
تعد هذه الاتفاقية مهمة للطرفين. إيران تعاني من تداعيات العقوبات الأميركية، وتبحث عن شريك اقتصادي وثيق وقوي يساعدها على الخروج من أزمتها المالية والاقتصادية. تكسب إيران بالاتفاقية نفسها حليفا سياسيا يملك حق الفيتو في مجلس الأمن، وشريكا عسكريا لتطوير أنظمتها التكنولوجية. في المقابل، يبدو أن هذه الاتفاقية، بالنسبة للصين، حلقة من حلقات كثيرة ضمن خطة لتمهيد الطريق لانتقال الصين من مرحلة التجارة إلى مرحلة القيادة. الصين بحاجة إلى تأمين الموارد النفطية الإيرانية، إضافة إلى ضمان استثمار أفضل للموقع الجغرافي الاستراتيجي لإيران لإنجاح المشروع الصيني الأبرز حاليا: طريق الحرير.