كلُّ إذاعة وأنتم طيّبون
عبد الحفيظ العمري
كتب صديقي الدكتور، أحمد سمير سعد، عن ذكرياته مع الإذاعة، فأثار الشجن في نفسي للكتابة عن الإذاعة وذكرياتها. فالراديو كان صديقَ البيوت قبل ظهور التلفزيون، وقبل هجمةِ القنوات التي فتحت على الناس أبواباً مُغلقة حتى تاهوا.
أنا شخصياً، بدأت علاقتي بالإذاعة أيّام دراستي الجامعية في العراق، في تسعينيات القرن الماضي (1994-2000م)؛ إذ كنت أستمع لثلاث إذاعات، التقت جغرافياً وتباعدت سياسياً، وهي: الكويت والرياض وبغداد.
الكويت بالذات، كان أجمل برنامج لديّ هو "نافذة على التاريخ"، والذي كنتُ أستمعُ له بالرغم من أنّه كان يُبثّ متأخراً، أي حوالي الثانية بعد منتصف الليل، وهو عبارة عن دراما تاريخية ممتعة، يكتبها الراحل "درويش الجميل".
هذا الدرويش الذي وجدتُ له فيما بعد كتابين جميلين هما: "جواسيس غيّروا مجرى التاريخ" و"أشهر قصص العشق في التاريخ"؛ والكتاب الأول خرجتُ منه بأسماء جواسيس كثر، أمثال سورج الروسي أو الأستاذ (كما كان يُسمّى) الذي أنقذ روسيا إبّان الهجوم النازي عليها عام 1941، حيث أرسل رسالة مهمة إلى ستالين (الرئيس الروسي آنذاك) من داخل اليابان، مفادها أنّ اليابان لن تُهاجمكم الآن لأنّها ستُهاجم أميركا، فكان من ستالين أن نقل كلّ قواته من شرق البلاد إلى غربها لمقاومةِ الهجوم الألماني وكان ما كان. وهناك أيضاً، الجاسوسة اللبنانية ليلى كرامي، والتي خدعت ألمانيا النازية في تسريب موعد ومكان خاطئين لإنزال الحلفاء على البرِّ الأوروبي في عام 1944م؛ ذلك الإنزال الذي عُرف بإنزال النورماندي، نسبة لميناء نورماندي الفرنسي، وغيرها الكثير.
كانت وجبة الإفطار مضبوطة على برنامج "أوراق ملونة" من إذاعة صنعاء، أمّا وجبة الغداء فمضبوطة على برنامج "واحة اليوم" من إذاعة صنعاء أيضاً
أمّا الكتاب الثاني، ففيه قصص واقعية عن دافنشي وشاه إيران، وغيرهما مع حبيباتهم. وأظنّ أنّنا خرجنا عن موضوع الإذاعة. وما دمنا خرجنا وخرجنا أقول: هذان الكتابان ضاعا من جملة ما ضاع من الكتب، ولم أجد لهما نسخة في الإنترنت، والكتابان لمن يبحث عنهما، من تأليف درويش الجميل وإصدار دار ذات السلاسل الكويت.
وفي عودةٍ إلى موضوع الإذاعة، فعندما عُيّنتُ موظفاً في ذمار أواخر عام 2000م في مكتب التعليم الفني والتدريب المهني، كنتُ مع شلّة من الزملاء الساكنين في شقة خارج المعهد، وكان معنا راديو قديمة لكنها تعمل بكفاءة لا بأس بها، وكانت وجبة الإفطار مضبوطة على برنامج "أوراق ملونة" من إذاعة صنعاء، أمّا وجبة الغداء فمضبوطة على برنامج "واحة اليوم" من إذاعة صنعاء أيضاً، الساعة الثانية بعد الظهر (وكان يُعاد في المساء الساعة التاسعة أو بعدها). كانت وجبات إذاعية إذن.
وختاماً، وعودة إلى جوِّ العراق في منتصف التسعينيات، خصوصاً في الصيف الحار في مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار حيث درست؛ كان الحرّ يلزمني أحياناً أن أنام على السطح لأستيقظَ مع أذان الفجر، وبعد الصلاة مع الشروق، أفتح إذاعة بغداد على أغنية "محمد رسول الله" لياسمين الخيام.
وكل إذاعة وأنتم طيّبون.