كيف يستفيد الغرب من الخلافات بين الدول العربية؟
لعبت الخلافات بين الدول العربيَّة دورًا حاسمًا في تمكين القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، من تعزيز نفوذها ومصالحها الاستراتيجيَّة والاقتصاديَّة في المنطقة. فمن خلال تغذية هذه الخلافات والحفاظ على حالة التوتُّر بين الدول العربيَّة، تمكَّن الغرب من تأمين مصالحه الإقليميَّة عبر عدَّة وسائل، أبرزها إنشاء القواعد العسكريَّة، وتعزيز سباق التسلُّح، والهيمنة على قرارات السياسة الخارجيَّة للدول المعنيَّة. في هذا المقال، سنستعرض كيف يستفيد الغرب من هذه النزاعات وطرق استغلاله للوضع لتحقيق أهدافه طويلة الأمد.
- القواعد العسكريَّة وتأمين النفوذ العسكري في المنطقة
تعدُّ النزاعات الحدوديَّة والخلافات السياسيَّة بين الدول العربيَّة من أهمِّ العوامل التي تمكِّن الغرب من بناء قواعد عسكريَّة في المنطقة بحجَّة توفير الحماية، ما يضمن موطئ قدم استراتيجياً دائماً. في منطقة الخليج، على سبيل المثال، ساهم التوتُّر بين دول الخليج مثل السعوديَّة وقطر، إلى جانب التهديدات من إيران، في تعزيز الحضور العسكري الأميركي في الخليج. وقد أنشأت الولايات المتَّحدة العديد من القواعد في البحرين وقطر والسعوديَّة، ما يضمن لها نفوذًا مباشرًا في قلب المنطقة ويسمح لها بالتحكُّم في أهمِّ الممرَّات المائيَّة، مثل مضيق هرمز.
وبالمثل، تستفيد القوى العظمى من النزاع بين المغرب والجزائر حول قضيَّة الصحراء الغربيَّة، حيث تعتمد كلٌّ من المغرب والجزائر على تحالفات قويَّة مع الغرب (خاصَّة الولايات المتَّحدة وفرنسا) وروسيا. تدفع هذه النزاعات البلدان إلى طلب الدعم العسكري والدبلوماسي، ما يتيح للقوى الغربيَّة توسيع نفوذها عبر تأمين مصالحها الاقتصاديَّة والعسكريَّة.
- سباق التسلُّح بين الدول العربيَّة
أدَّى تصاعد التوتُّرات بين الدول العربيَّة إلى دخول المنطقة في سباق تسلُّح غير مسبوق، وهو ما يخدم مصالح الغرب الاقتصاديَّة بشكل مباشر. فكلَّما ازدادت حالة التوتُّر والخوف بين الدول، زاد الإنفاق العسكري بشكل هائل، وارتفعت واردات الأسلحة من الغرب. في مثال حي، يشهد المغرب والجزائر زيادة كبيرة في ميزانيَّاتهما العسكريَّة، حيث يسعى كلٌّ منهما لتقوية قوَّاته المسلَّحة لمواجهة التهديدات المحتملة من جاره.
في هذا السياق، تُعتبر الولايات المتَّحدة أكبر مستفيد من زيادة مبيعات الأسلحة، حيث تعدُّ شركات الأسلحة الأميركيَّة مثل "لوكهيد مارتن" و"بوينغ" و"ريثيون" من المورِّدين الرئيسيين للأسلحة في المنطقة. وتساهم مبيعات الأسلحة في تعزيز الاقتصاد الأميركي وتأمين عوائد ماليَّة كبيرة، مما يخلق تأثيرًا مزدوجًا يحقِّق مصالح اقتصاديَّة مباشرة للغرب ويعزِّز الهيمنة العسكريَّة في المنطقة.
- استنزاف الموارد وتعزيز الاعتماد الاقتصادي والسياسي
بقاء الخلافات العربيَّة وتفاقم سباق التسلُّح يساهمان في استنزاف موارد الدول العربيَّة، ما يدفعها إلى التوجُّه إلى الغرب طلبًا للدعم المالي والتكنولوجي والسياسي. فعلى سبيل المثال، تتوجَّه بعض الدول العربيَّة إلى الغرب للحصول على قروض لتمويل الصفقات العسكريَّة، ما يضعها في موقف التبعيَّة الاقتصاديَّة.
بقاء الخلافات العربيَّة وتفاقم سباق التسلُّح يساهمان في استنزاف موارد الدول العربيَّة، ما يدفعها إلى التوجُّه إلى الغرب طلبًا للدعم المالي والتكنولوجي والسياسي
وفي ظلِّ هذه التبعيَّة، تجد الدول العربيَّة صعوبة في اتِّخاذ قرارات سياسيَّة مستقلَّة، حيث يصبح الاعتماد على الدعم الغربي شرطًا أساسيًّا للحفاظ على الاستقرار الداخلي وموازنة القوَّة الإقليميَّة. يؤدِّي هذا الوضع إلى إضعاف سيادة الدول العربيَّة وزيادة تبعيَّتها للقرارات الغربيَّة، ما يجعلها أقلَّ قدرة على تبنِّي سياسات مستقلَّة تخدم مصالحها الوطنيَّة.
- التحكُّم في قرارات السياسة الخارجيَّة العربيَّة
يعزِّز التوتُّر بين الدول العربيَّة من قدرة الغرب على التأثير في السياسة الخارجيَّة للدول العربيَّة، إذ يفرض الغرب نفسه وسيطًا ضروريًّا لحلِّ الأزمات بين الدول العربيَّة. فمن خلال التدخُّل وسيطاً، يمكن للقوى العظمى توجيه المفاوضات بما يخدم مصالحها الاستراتيجيَّة. ففي أزمة الخليج بين قطر والدول الأربع (السعوديَّة، الإمارات، البحرين، مصر)، تدخَّلت الولايات المتَّحدة في مساعي الوساطة، ما أتاح لها فرصة لفرض شروط تتماشى مع استراتيجيَّاتها في المنطقة.
كذلك الحال في النزاع بين المغرب والجزائر، حيث يلعب الغرب دور الوسيط، ولكن بطرق تعزِّز من موقعه التفاوضي وتتيح له الفرصة لتوجيه السياسات بما يخدم أهدافه في تعزيز النفوذ وتسهيل صفقات السلاح.
- إضعاف التكتُّلات الإقليميَّة العربيَّة
تعزِّز الخلافات العربيَّة من انقسام التكتُّلات الإقليميَّة وتفكُّكها، مثل اتِّحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي، مما يصبُّ في مصلحة الغرب الذي يفضِّل التعامل مع الدول العربيَّة أفرادًا، حيث يسهل الضغط على كلِّ دولة بشكل منفصل للحصول على تنازلات اقتصاديَّة وسياسيَّة. كلَّما ضعفت هذه التكتُّلات، زادت فرص الغرب لفرض نفوذه وتسهيل تحقيق مصالحه الاقتصاديَّة من دون مواجهة جبهة عربيَّة موحَّدة.
إن استمرار الخلافات بين الدول العربية يخدم مصالح الغرب بشكل مباشر، إذ يسمح له بتعزيز وجوده العسكري، وزيادة مبيعات الأسلحة، واستنزاف الموارد، وتوجيه السياسة الخارجية للدول العربية. في ظل هذا الوضع، تصبح الدول العربية أقل قدرة على تحقيق التنمية المستقلة، بينما يستمر الغرب في تعزيز هيمنته وتحقيق مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية.