لا يوجد في سورية معتقلو رأي
ولكن الأحاديث التي أدلى بها الديكتاتور السفاح بشار الأسد في الآونة الأخيرة للتلفزيون الروسي (RT) فرضت إيقاعها على الحاضرين، وصار أكثر من واحد يحاول إدخالها إلى الجلسة، وكلما تمكنا من إفشال سعيهم نراهم يعاودون الكَرَّة.
قال كمال: بعضْ السياسيين لما بيحكوا ممكنْ يخلوكْ تضحكْ، إما عن ذكاءْ وقدرة عَ التنكيت، أو عن غباء وبهامة، أما هادا بشار الأسد فأنا بشوف إنه ما في أي جانب ظريف في شخصيته! ورَغْمْ إنه عَنْدُه نوعْ من "الهَبَلْ"، والمهابيل - متلما بتعرفوا - أشخاص مُضحكين، إلا إنه هادا الشخص حتى الهَبَلْ تَبَعُه مزيفْ، وما له أي طعم أو فكاهة، وعلى قولة أهل معرتمصرين: ما بينطلي ع القلب، ولا بينزل من زُوْرْ.
قال أبو إبراهيم: هادا شي طبيعي يا أستاذ كمال، لأن نحن السوريين منكرهه، وهو كمان بيكرهنا، فكيف بدك من شخص بيكرهك وبيحقد عليك إنه يْضَحّكَكْ أو يسليك؟ أنا مثلاً بحاول أبتعد قدر الإمكانْ عن سماع خطاباته، ولما بيكون في ضرورة ملحة لأني إسمعه بسمعه من الراديو، وإذا انجبرتْ إسمعه من التلفزيون بدير وجهي عنه، وبعطيه قفاي.. وبصراحة، في بداية استلامُه الحكم، بعد سنة 2000، كنا نشوف طريقته بالحكي فنستغربْ وجودْ موديلْ رَجُلْ لما بيحكي بتتحرك كل عضلات وجهه في آن واحد، من دون ما يكون حركتها منتظمة، بتلاقي وجهه شي طالع شي نازل، وهلق، مع تقدمه بالعمر، صار الوضع أسوأ..
قال أبو محمد: والله، بحسب وصف أبو إبراهيمْ، هادا الشكل بيضحك..
قال الأستاذ كمال: إذا بدكم الحقيقة، أسلوب السخرية من الشكل الخارجي بيفتقر للعدالة، لاكن نحن منلجأ للأسلوب الكاريكاتيري لما بيكون كلام الشخص المعني ما بيستحق المناقشة أو التوضيح.. مثلاً، قولُه إنّه نحنا في سورية ما في عندنا تعذيب في المعتقلاتْ، كتيرْ بايخْ، وسخيفْ.. لو كانوا كل الناس اللي اعتقلهم نظام الأسد على قيدْ الحياة كنتْ شفتْ شي نص مليون إنسان عم يتزاحموا ليلاقوا فرصة يحكوا فيها عن التعذيب الفظيع اللي داقوه في المعتقلات.. وعلى كل حال أنا هادا الحديث ما بيناسب جلسات الإمتاع والمؤانسة..
قال أبو الجود: بتعرف يا أستاذ كمال؟ كويس إنك قلت هيك. لأني أنا كنت مفكر غادرْ السهرة. يا خيو نحنا ناقصنا حكي عن التعذيبْ؟
قال كمال: طبعاً مو ناقصنا. اللي فينا مكفينا من مشاكل الغربة واللجوء وأخبار أهلنا في الداخل.. لاكن أنا بدي أجَرِّبْ البحثْ عن جانبْ طريفْ في المسألة، وهوي إنه بشار لما قال إنه ما في عندنا تعذيبْ، اعترفْ ضمناً بأنه عنده سجونْ وفي عنده معتقلين رأي، بينما والدُه حافيييظ أنكرْ وجود المعتقلين كلهم. يعني حافيييظ وضع معادلة معقدة جداً، وهيي إنه إذا الواحد ما عنده معتقلين أصلاً، شلون بده يعذب المعتقلين؟!!!
قال أبو سليم الذي كان يحضر معنا جلسة الإمتاع والمؤانسة لأول مرة: معقولة أنكر؟ ما كل العالم بيعرفْ إنه السجون السورية كانت مليانة معتقلينْ عَ زمان حافيييظ؟
قال كمال: في قصة حقيقية، بتذكر أني قريتها في كتاب "حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد"، بتتناول هادا الموضوع بالتفصيل.
قال أبو محمد: تفضل سمعنا إياها.
قال كمال: القصة، متلما بيرويها واحدْ من أصحاب الإقامات الطويلة في سجن تدمر، إنه في يوم من الأيام أصابْ المعتقلينْ الذهولْ لما شافوا إنه معاملة السجانين إلهم اختلفت، وانعكست 180 درجة مئوية.. ما في ضرب بالكابل الرباعي، ما في مسبات على النسوان، ما في نظراتْ احتقارْ، واللغة التي سادت كلها (يا عيني، ويا روحي، ويا سيد، ويا حبيب، ويا غالي) حتى إنه واحدْ من المعتقلين همس لرفيقه وقال له (بتعرف؟ إذا إنته بتمسكْ هداك السجان الحقير من إدْنُه، وبتصفقه كفين أصعب من فراق الوالدين، وبترفسه على طيزه، وبتبزق في وسط وجهه، وبتسبه على والدته لا هوي راح يزعل منك، ولا إدارة السجن بتزعل منك، وممكن يبتسموا ويقولوا لك: أنت بتمون يا رفيق).. ولسه يا دوب هالسجين خلص المزحة تبعه وإذ بيوصل مدير السجن اللي كانوا السجانين كلما أجا عالسجن بيدبحوا مُعْتَقَلْ على شَرَفُه! ولأولْ مرة بيلاقوه ضحكانْ ومْرَوّقْ، وصارْ يمزحْ ويأنكل، ووالله لو كان في بهديك الأيام موبايلات حديثة كان أخدْ مع المعتقلين "سيلفي".
قال أبو محمد وهو في قمة الاندهاش: طيب أيش اللي صار بهداكا اليوم حتى انقلب الوضعْ كله هَالقَلْبة؟
قال كمال: بعدْ شوي عرفوا المعتقلينْ سرّْ هالانقلابْ الغريبْ، وهوي إنه في امرأة صحافية أميركية كانت يوميتها عم تزور الشام، وبدها تعمل مقابلة مع حافييظ، وإنه إدارة السجن قررتْ إنها تجمعْ المعتقلين في الساحة العامة، وتحط لهم شاشة تلفزيونية عملاقة، وتخليهم يتفرجوا ع المقابلة، حتى يتعلموا كيف بيكون النضال ضد الاستعمار والصهيونية على أصوله!
ضحك أبو زاهر وقال: وبنفس الوقت بيتعلموا منه شوية كذب!
قال كمال: أي نعم. وصارت المقابلة. والتمُّوا المساجين حول الشاشة التلفزيونية العملاقة، وبعد شي تلاتْ أو أربعْ أسئلة وأجوبة سألت الصحافية حافييظ عن معتقلي الرأي.. فقال لها، من دونْ ما يرفّْ لُّه جفن: هذا السؤالْ غريب، نحن لا يوجد لدينا معتقلو رأي!