لماذا لا تبلّغ النساء عن العنف الممارس ضدّهن؟
في ورشة عمل عقدها مركز العدل للمساعدة القانونية في الأردن، حول وصول النساء إلى منظومة الحماية من العنف والتحديات وعن الحلول المقترحة، طُرح سؤال مهم للنقاش، يتمحور حول الأسباب التي تمنع 97% من النساء في الأردن من التبليغ عن العنف الذي يتعرّضن له؟
خلال الورشة، استعرضت رئيس ديوان التشريع سابقاً، فداء الحمود، مخرجات دراسة أُجريت لهذا الغرض بتمويل من مؤسسة أوكسفام، بعد أن قرّرت أن تستمع لصوت السيدات بنفسها، وقابلت عدداً من النساء، أردنيات وغير أردنيات، متزوجات من أردنيين ومن غيرهم. وكانت النتيجة صادمة لجهة التحديات التي تواجهها النساء للوصول إلى منظومة الحماية حين يتعرّضن لأحد أشكال العنف، والتي تقف عائقاً أمام قيامهن بالتبليغ عن هذا العنف.
وإذا ما اعترفنا بأنّ العنف هو دائري، بمعنى أنّ الضحية سيكون يوماً ما معنِّفا (بكسر النون)، عدا عن كونه تصاعدياً، بحيث إنه يتجاوز العنف الأسري إلى مرحلة أخرى، حينها يصبح الأمر مرهقاً، ولا تستطيع الدولة تحمّل تكلفة تزايد العنف. أيضاً، يرتبط العنف الممارس ضد النساء بصورة مباشرة بالجريمة والتطرّف والعديد من السلوكيات الاجتماعية الخطرة، وهو ما دفع الأردن لجعل المسألة في سلّم الأولويات، وذلك بحسب المديرة التنفيذية لمركز العدل، هديل عبدالعزيز.
وجاءت الأسباب متباينة في طبيعتها، فمن عدم توّفر مواصلات آمنة للذهاب إلى المركز الأمني، إلى قلّة وجود مدربين مؤهلين للتعامل مع النساء المعنّفات، وعدم قدرة المرأة على تحمّل تكاليف أن تأوي خارج بيتها إذا ما تمّ طردها أو هروبها خوفاً من العنف المتزايد، إلى أهم تحدٍّ، ألا وهو الاصطدام بالإطار التشريعي، حيث قلّة عدد المدعين العامين في قضايا العنف الأسري، وصعوبة الحصول على محامين بتكلفة زهيدة أو مجانية، ناهيك عن شيطنة المجتمع المدني والمدافعين الحاملين لواء هذه القضايا، واتهامهم بأنّ لديهم أجندات معينة ويتلقون تمويلاً خارجياً، وبأنّهم السبب في تحريض النساء على الخروج عن العادات والتقاليد.
إنّ الموضوع قديم ومتشابك ومعقّد وتتداخل فيه أطراف كثيرة، إلا أنّ البحث عن التعاون المتكامل ضرورة ملحة، ليس من أجل الوصول للعدالة فحسب، بل لضمان العدالة لشخص الضحية، والتي لا تعرف إلى أين ستتوّجه، وما هي الخطوات اللاحقة، وما هي التبعات على سمعتها، وعلى أسرتها ومحيطها.
يرتبط العنف الممارس ضد النساء بصورة مباشرة بالجريمة والتطرّف والعديد من السلوكيات الاجتماعية الخطرة
الفكرة الخاطئة بأنّ العنف داخل أعضاء الأسرة هو شأن عائلي داخلي، هي "فكرة" لا بدّ من مواجهتها، لأنّ المنزل والعائلة وثقافة الفرد وتقاليده الخاصة... لم تَعُد هي الحَكَم النهائي للفعل المنصف، حين يكون الموضوع هو العنف. فالعائلة هي البيئة التي ينشأ فيها الأطفال ويشكلون وجهات نظرهم بخصوص أنفسهم، والعالم، والهدف من حياتهم، خاصة وأنّ قانون الحماية من العنف الأسري، هدفه توسيع مظلّة الحفاظ على الأسرة وتماسكها، وذلك عبر استحداث إجراءات بديلة للعقوبة من شأنها إصلاح الأسرة وتمكينها من تجاوز العقبات التي تواجهها.
وفي الختام، تبقى الأسئلة كثيرة ومحيّرة: كم سيكون الإصرار على تنفيذ التوصيات والاقتراحات التي تمّت في هذه الورشة؟ ومن سيحمي مقدّمي الخدمات من التنمّر والعنف أيضا؟ وكيف نضمن توعية الفتيات وأفراد الأسرة في سنوات مبكرة (ربما وهم على مقاعد الدراسة) عن الجهات التي توّفر هكذا أنواع من الدعم والحماية من العنف؟ وكم نحتاج لإعلام متخصّص ليأخذ على عاتقه التوعية الإعلامية لإزالة الوصمة المجتمعية من التبليغ؟